تحية للبكري..خازن الآثار الأمين !!
الناس معادنٌ، وفي المحن والملمات والتقلبات السياسية تُختَبَر معادن الرجال المخلصين، ممن لا ينحنون للعواصف أو يتحلَّلُون عن القيم النبيلة ويلهثون وراء مصالحهم الشخصية الآنية، بل يظلون ثابتين في مواقفهم الوطنية المخلصة التي آمنوا بها ولم يحيدوا عنها قيد أنملة. من هؤلاء الذين أفرغ الله عليهم صبراً وثبَّتهم على مواقفهم المبدئية ونزاهتهم في زمن التقلبات والانكسارات والجري وراء المصالح والملذات، نتحدث عن رجل انتزع اعجابنا وفرض علينا احترامه كنموذج ومثال يُقتدى به في الأمانة والإخلاص، أنه الأخ علي محمد صالح البكري مشرف الآثار في مديرية الحد-يافع، الغنية بالمواقع والمعالم الأثرية من مستوطنات ونقوش وسدود وحصون ومقابر..الخ. وكما نعرف جميعاً أنه في زمن الحروب والتقلبات السياسية تتعرض مُدَّخرات الأمة وذاكرة الوطن من الآثار إلى السرقة والنهب، وقد يكون القائمون عليها في بعض الحالات هم من يلجأ إلى نهبها أو التفريط بها، ومن ثم اخلاء مسئوليتهم بالعديد من المبررات، خاصة في ظل غياب الدولة أو تخليها عن مثل هذه الكنوز بل وتشجيعها على نهبها وسرقتها وضياعها لافراغ ذاكرة الأمة من مخزونها الحضاري. لكن البكري ..مَثَّل حالة نادرة كصاحب موقف مُشرِّف يستحق التقدير والثناء في هذا المضمار، فقد ظل على مدى أكثر من عقدين محافظاً على محتويات متحف آثار الحد وكان وبحق خازناً أميناً لها، في ظل أوضاع مضطربة وأجواء نهب وسطو تعرضت لها كل آثار الجنوب وبمباركة وتشجيع سلطة عصابة صنعاء منذ اجتياحها للجنوب عام 94م وسعيها لتدمير معالمه التاريخية وطمس هويته الحضارية، وقد فقدت عاصمتنا عدن لوحدها آثاراً لا تُحصى ولا تقدر بثمن، إذ تعرضت جميع متاحفها إلى النهب والسرقة والتدمير، ولم تسلم بقية المتاحف الأخرى في المحافظات من ذلك النهب والتدمير. كان بمقدور علي محمد صالح البكري أن يتصرف بما بين يديه، وأن يكسب أموالاً طائلة من القطع الأثرية النادرة التي يسيل لها لعاب الطامعين دون أن يحاسبه أحد، خاصة عقب حرب 94م التي حولت بلادنا إلى مسرح نهب وسطو وسرقة لكل مقدرات الجنوب وتراثها وآثارها بمباركة وتشجيع من سلطات الاحتلال.. لكن نفسه الأبية ونظافة يده وإحساسه بثقل الأمانة التي قَبِلَ تحمُّلَها أبى أن يفرِّط بها، بل وحرص على حفظها دون الرضوخ للاغراءات المادية التي حاولت أن تفل في نزاهته أو تخترق جدار أمانته المنيع. وقد كان إدراكه لقيمة هذه الآثار الناظم الوجداني لحرصه وعنايته بها باعتبارها ثروة وطنية لا تعوض. وحين كنا قبل أيام مع فريق الآثار في زيارة للمواقع الأثرية في الحد زرنا مخزن الآثار في بني بكر، عاصمة مديرية الحد-يافع، واطلع أعضاء الفريق على الظروف الصعبة التي يعمل ويجاهد فيها هذا الرجل للحفاظ على مبنى المتحف وحماية أرضيته المجاورة وعدم السماح لأحد في البسط أو الاستحواذ عليها، وكذا حفاظه على محتويات المتحف من القطع والاثآر الثمينة التي خزن بعضها في بيته، بدافع الحرص عليها، نظرا لسوء حالة مخزن الآثار وتعرض سقفه لتسرب مياه الأمطار وعدم وجود حمايات لنوافذه، وقد استغربنا عدم حصوله على أي اعتماد للترميم والصيانته منذ أكثر من عقدين. وهكذا كبُر قَدْرُ هذا المُشْرِف المُخلص والخازن الأمين للآثار في قلوب أعضاء الفريق الزائر، وانتزع اعجابهم وتقديرهم، وطالبوا الأخ وزير الثقافة بضرورة تكريمه تقديراً لجهوده المخلصة وأمانته في الحفاظ على ما بين يديه من ذاكرة الوطن التي لا تعوض في حالة فقدانها، والمتمثلة بمجموعة قطع أثرية نفيسية، كان يمكن أن تلقى مصير مثيلاتها من قطع الآثار التي تعرضت للنهب والسرقة والضياع.. وهذا الموقف النبيل يضاف إلى رصيده النضالي وحضوره المتميز في مسيرة شعبنا النضالية منذ حرب اجتياح الجنوب عام 1994م وحتى جائحة الغزاة الأخيرة عام 2015م، حيث يرأس مجلس الحراك الجنوبي في مديرية الحد-يافع. وبالمناسبة، ولأن الشيء بالشيء يُذكر، أُسجّل آيات التقدير للأخ أحمد عبدالله قبس البكري الذي يحتفظ هو الآخر بكمية من النقود التاريخية الأثرية في مجلد خاص يحافظ عليها في بيته من التلف والضياع. وختاماً.. ألا يستحق مُشرف الآثار وخازنها الأمين التقدير والتكريم.. تحية تقدير له باسمي وباسم زملائي أعضاء الفريق..وله ولأمثاله تُرفع القُبَّعات..