د. علي الخلاقي يكتب:
حصن "رِيْد" في يافع..عراقة وتاريخ
الرَّيدُ، في اللغة، الحَيْدُ من حُيُود الجَبَل، وجَبَل ذو حُيُود، وذو رُيُود، إذا كانت له حُرُوفٌ ناتئةٌ من الصَّخْر في أعراضه لا في أعاليه.
وهكذا هي قرية (رِيْد) العريقة تتربع بحصونها القديمة على حَيْدٍ يحمل اسمها، وفي جوانبه نتوءات صخرية تحولت إلى مقالع للحجارة، أو ما تُعرف في لهجة يافع (مَناقيش). ولطالما جذبت ريد أنظارنا بحصنها القديم ومنارتها الحَجَرية الحديثة المجاورة له كلما مررنا في طريق وادي مَرْحَب الذي يؤدي من سوق 14 أكتوبر إلى نجد العياسى والصيرة..
وهذه هي المرة الأولى التي تُتاح لي فرصة زيارتها والصعود إلى قمتها حيث يشمح حُصن ريد الأثري الضخم، بدعوة كريمة من الشاب النبيل عبدالناصر بن صالح بن علي الحاج الذي اصطحبنا بسيارته وصعد بنا في طريق تم رصفها بالحجارة بمبادرة من المواطنين، وهو الأمر الذي يسهل الوصول بيسر إلى أعلى القرية، حيث عبق التاريخ وعراقة تتجلى من بقايا الحصون القديمة التي انهار معظمها أو بقي أجزاء من بعضها الآخر، يحكي تاريخ غابر ، وأبرزها حُصن (ريد) التاريخي الذي تجري عملية ترميمة، من قبل آل علي الحاج، وقد سبق لهم أن أعلنوا عن مبادرتهم لتحويله إلى متحف لمكاتب يافع العشرة، على الشيخ محسن منصر بن علي الحاج الحوثري، الذي توفي 29مارس2021م، رحمة الله تغشاه، وقد سبق لي الحديث عنها وعن هذه المبادرة، وأجد من المناسب إيرادها هنا كما جاءت بالنص:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن آل علي الحاج الحوثرة - الموسطة - يافع بدأنا بترميم البيت التاريخي في قرية ريد/ الحوثرة، تأسس عام ٩٠١ هجرية. تبلغ مساحة هذا الصرح التاريخي حوالي ٤٠٠ متر مربع، ويتكون من خمسة أدوار. يعتبر هذا الصرح إرث تاريخي وتحفة معمارية رائعة تمثل تاريخ المعمار اليافعي وحضارته.
لهذا اقترح المهتمون بالتاريخ والتراث اليافعي أن يكون هذا الصرح متحفاً ليافع عامة وقد أبدى آل بن علي الحاج موافقتهم لذلك. بحيث يُعطى كل مكتب من مكاتب يافع جناحاً خاصاً لعرض التراث اليافعي، وبهذا العمل يتم جمع وعرض الموروث التاريخي والحضاري ليافع في متحف واحد.
لهذا ندعوا كل المهتمين بالتاريخ والتراث اليافعي دعم هذا المشروع".
وأجدها فرصة مناسبة لدعوة السلطات المحلية في يافع والمهتمين بالشأن الثقافي والموروث الشعبي لالتقاط هذه المبادرة والتجاوب معها. فليس هناك أفضل من هذا الحصن التاريخي، الذي شرع آل علي الحاج، جزاهم الله خيراً، بالترميم الأولي الذي يحافظ على الحصن من عوادي الزمن، وإضفاء بعض اللمسات الجمالية في الدور الأخير، كما شاهدنا في الدور الأخير الذي ما زال العمل جارياً فيه على قدم وساق.
ولجنا من البوابة الرئيسية، ومنحوت على المدماك العلوي الخشبي( بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين لك الأيام أيضاً وأيام النبي يشناكم تعودي، ترسم سيدنا ومولانا المالك الحبيب الشيخ علي ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ سالم ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ الحسين ابن الشيخ الكبير القطب الغوث الشيخ أبو بكر بن سالم). ومن المعروف أن الشيخ عليّ بن أحمد خلف والده سنة 1111هـ، وفي عهده كانت حملة السلطان صالح بن عمر بن هرهرة إلى حضرموت سنة 1117هـ، وتوفي بعينات سنة (1142 ه). وربما أن القصر بُني في عهده، رغم أن الرويات تقول أنه أقدم من ذلك التاريخ.
تجولنا في أقسام الحصن الأثري المكون من أربعة طوابق ، مع الدور الأرضي بسراديبه المتعددة التي يبدو أنها كانت ملاجيء او مخازن .
وقد تم هدم الطابق الخامس مع ملحقاته الاضافيه قبل سنوات خشية من سقوط سقفه وانهيار الحصن.
ويوجد في كل طابق عدد من الغرف الكبيرة (المجالس) مع سرير النوم التقليدي (الهدة) في المفارش، وتحت كل (هِدة) غرفة لحفظ الأشياء تسمى (خَلَّة)، وغرف المطبخ (الديمة)، وثلاثة حمامات في كل دور، فضلاً عن غرف صغيرة للخدمات ومطحنة حجرية وغير ذلك، مع بعض الاختلاف من دور إلى دور آخر، وأدهشني متانة وسُمك مداميك البيت ومتانة أخشابها المنحوتة من أشجار العلب الصلبة.
ومع ذلك فأن استكمال ترميم الحصن يحتاج لدعم كبير لانجاز ترميمه الداخلي، الذي ما زال على حالته السابقة، بعد أن هجره أهله، وبقيت الجدران مملطة بخُلب (المحاض) وآثار السخام الأسود في (الديام) مع تسرب بعضها في ممرات الحصن الداخلية.
ونكرر آيات الشكر والتقدير لآل علي الحاج على مبادرتهم التي أصبحت مطروحة على المعنيين، وجزاهم الله خيراً أن بدأوا بالترميم مع الإعلان عن المبادرة ليؤكدوا القول بالفعل، وفي انتظار أن يتجاوب الآخرون معها ممن يهمهم أمر الحفاظ على تراثنا وتاريخنا في متحف ينتمي إلى العراقة والتاريخ المشرف.
وصدق الشاعر :
هذه آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
ولنا عودة للحديث عن وثائق وشخصيات تاريخية من آل علي الحاج في يافع وحضرموت...