مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

شبه دولة حاربت الدولة

احترام النظام والقانون و المدنية هي ثقافة متجذرة في الجنوب منذ فترة ما قبل الاستقلال عن بريطانيا  ،  واستمر الحال حتى  بعد 30 نوفمبر 1967  ، ومن جيل الى جيل ، حتى جاءت حرب 1994 المشؤومة ، حين شبه دولة  حاربت الدولة  ،  وحاول بعدها شيوخ الهضبة تدمير هذه الثقافة والاسس و تحويل الجنوب الى  " ظل   " دون قيمة خلفهم ، متجاوزين بذلك وفي محاولة انتحارية الفرق الشاسع بين  ثقافة القبيلة في صنعاء  و المدنية في عدن   ، وقد اجتهد رجال الهضبة عبر  ثلاثة عوامل رئيسية لتحويل الجنوب الى قرية قبيلة متخلفة ،  هددت  هذه العوامل بالفعل الثقافة والتقاليد الجنوبية ، وحتى حياة المواطن ، هي  كالتالي  :

العامل الاول  : عامل الحقوق المدنية  والملكية  ، حيث خضعت الحقوق الاساسية  دائما لرقابة و موافقة صنعاء واستخباراتها  ، اما ممتلكات المواطنين والدولة الجنوبية ( بيوت ، محاكم ، مدارس ، جامعات  ، مصانع ، مؤسسات حكومية  ، أراضي ، ثروات  ، موانئ ، مطارات ،فنادق   ... ) فقد ذهبت  " فيد " للمنتصر وشركائه  باسم الدين والوحدة والباقي تم تدميرها ، اما الجيش الجنوبي فقد حولوه الى رماد  .

العامل الثاني ، تطبيق سياسة الافقار والاذلال،  هذا العامل استخدمته  القبائل بطريقة الاقصاء  والفصل للجنوبيين من وظائفهم  بعد ان سيطروا على مفاصل الاقتصاد وتلاعبوا بالعامل الديمغرافي الجنوبي وسرقوا ثرواته  و اوقفوا أي تنمية او استثمارات في البنى التحتية  في المحافظات الجنوبية  ، و ببساطة تركوا الجيش والاستخبارات الشمالية  لا دارة الجنوب باسم عفاش  وشركائه  ، الذين مارسوا الظلم والتهميش و اعتقال كل شخص  يفكر في انشاء الهياكل المدنية الجنوبية السلمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية .

العامل الثالث ، هو تهديد الهوية الوطنية الجنوبية  ، وهذا كان واضح  من خلال شطب اسماء الشوارع والمدارس الجنوبية واستبدالها بشمالية ، كذلك التعامل بمصطلحات الهضبة " الفندم ، السيد ، الشيخ ، عاقل الحارة " و تغير طابع البناء المعماري وربط كل شيء في عدن بصنعاء   ، كما تم فرض نظام  تعليم شمالي في الجنوب ، كانت نتيجته  انتشار الغش والرشوة و البطالة والتطرف والسلاح والارهاب  واجيال من الشباب الفاشل المحبط يتعاطى  المخدرات والشمة والقات .

اصبحت اليوم الجمهورية اليمنية مثيره للشفقة إذ لم يتبقى منها سوى الاسم  والازمات تخرج منها  في المنطقة والى خارجها ، والصراعات فيها تتصاعد بسرعة إلى أكثر خطورة ، بسبب فقدانها لسيادتها و غياب  خصائص الاتحاد ، وشكل الدولة الذي لا ينتمي  لا الى " البسيطة او المركبة " ، بينما  في  الجنوب رغم الصعوبات والمؤامرات ،فأن المجتمع خليط  موحد من الأجناس تتشابه تشابها كبيرا في هياكلها الاجتماعية و الاقتصادية  والعادات والتقاليد ، تجاوزوا نقطة اللاعودة  الى  " شعار " الوحدة او الموت واصبح لديهم وسائل إقناع جادة للمجتمع الدولي لاستعادة دولتهم  واخراجها من الظل الى النور.