مسعود أحمد بيت سعيد يكتب لـ(اليوم الثامن):
رؤية عمانية للمشهد اليمني
دأبت السياسية العمانية على العمل بصمت والتكتم على مواقفها والاكتفاء بالمواقف العامة المتفق عليها كاطار عام لفعلها السياسي والبلوماسي ولم توظف الاعلام بشكل كبير في الترويج لخياراتها السياسيه وبالتالي من الصعب معرفة مواقفها تجاه قضايا الاقليم بشكل دقيق . وقد يبدو بان ليس هناك موقف عماني واضح من الأزمة اليمنية بخلاف بقية الأطراف . لكن متتبع الأحداث يستطيع إلى حدا ما ان يلمس تأثير المواقف الإقليمية وانعكاساتها على الواقع والتي هي اما غطاء او صدى . وإذا كانت الممارسة العملية هي المعيار الأهم في معرفة التوجه السياسي العام . فإن السياسية العمانية تعتمد مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير والحياد حيال جميع القضايا الشائكة في الإقليم العربي . و بقدر سلامة هذا المبدأ في العلاقات العربية بقدر ما يبقي الغموض غير المحبب للمراقب السياسي .الذي عليه القراءة في الفنجان ، و فك الطلاسم ، أو بلغة جاك دريدا تفكيك النص . وهنا علينا العودة قليلا للوراء لاستقراء كنه العلاقة بصورة شمولية وتحديد جملة عناوين كمنطلقات رئيسية :
العنوان الأول الموقف العماني التاريخي من اليمن الديمقراطي :
والذي بقى لسنوات طويلة، الداعم الأول للجبهة الشعبية لتحرير عمان .وهو أمر قد اثر بشكل كبير في تطور العلاقات الثنائية بين البلدين وهما بالطبع جزء من صراع دولي اكبر و قد مرت تلك العلاقة بمراحل متدرجة و تطورت بشكل كبير في عهد الرئيس علي ناصر محمد . وبعد أحداث ١٣ يناير استمر الطرف الآخرالمنتصر في مواصلة تلك العلاقة حتى قيام الوحدة اليمنية .
العنوان الثاني الوحدة اليمنية :
تشترك جميع الأطراف الخليجية في التوجس من تلك الوحدة وربما عمان هي من أقل الأطراف الخليجية قلقا . على اعتقاد بأن تلك الوحدة ستلتهم الخصم الجنوبي التاريخي من قبل الشمال الذي هو على علاقة جيدة مع السلطنة وهو ما حدث .
العنوان الثالث : الحرب على الجنوب باسم الوحدة :
كل الجوار الخليجي ابتهج بالانفصال فالنظام الخليجي تاريخيا غير معني بهذا " العنوان القومي " بل ويقف بالضد منه معتقدا " خطأ " أن ذلك يشكل تهديدا لوجوده .
على اثر ذلك احتضنت السلطنة الكثير من القادة والكوادر الجنوبية سنوات ومنح الكثير منهم الجنسية العمانية دون السماح لهم بممارسة اي نشاط سياسي .
العنوان الرابع: الحرب على اليمن والصراع الراهن :
وهو ما اطرته المبادرة الخليجية المدعومة امريكيا حيث تم عنونة الصراع و حصره بين الطرفين وتجاهل بقية الافرقاء على الساحة اليمنية .في هذا الصراع هناك تشابكات وتعقيدات وحسابات مختلفة منها ماهو اني مرحلي ومنها ماهو استراتيجي منها ما يتعلق بالماضي ومنها ما يتعلق بالمستقبل منها ماهو سياسي واقتصادي ومنها ماهو مذهبي طائفي منها ماهو مناطقي ومنها ماهو قبلي منها ماهو حقيقي ومنها ماهو وهمي منها ماهو ظاهر ومنها ما هو خفي . وتم توظيف تلك اللوحة المتناثرة بما تحمله من خلافات داخلية بشكل مركب وتغذيتها بالمال السياسي والسلاح لخدمة أجندة معينة ولحساب جهات معينة ثم استقلت تلك المشاريع الفئوية الخاصة بذاتها وأصبح له رؤيتها ومصالحها المتناقضة . وتداخلت عوامل كثيرة لم تكن في حساب اي طرف الأمر الذي عقد المشهد العام ،وهنا استدرك حتى لا نقع في خطأ تاريخي بتصوير النظام الإقليمي العربي يملك تصور خارج الرؤية الامريكية الشاملة للمنطقة العربية . وقد اختارت السلطنة موقف شبة محايد أو متناقض كما يحلو للبعض ، فمن ناحية تلتزم بالمبادرة الخليجية وتوجد سفارة للشرعية في مسقط وفي الوقت نفسة تقيم علاقات جيدة مع جماعة أنصار الله- الحوثيين -وبعض الاطراف الأخرى المرتبطة بطرفي الصراع الرئيسيين وتتقاطع مع هذا الطرف الاقليمي او ذاك في هذه و تلك . وان كنت اعتقد بأن هذا الموقف مرغوب من قبل جميع الأطراف الفاعلة من أجل إيجاد مساحة مشتركه. وإذا صح هذا الاستنتاج فهو دور وليس توجه استراتيجي .
هل حدث تحول على هذا الموقف في العهد الجديد ؟
وما هو حدوده وأبعاده؟ بالتأكيد ان العهد الجديد اكثر شفافية في جملة عناوين داخلية وخارجية وأكثر مقدرة على الخروج من أسر المواقف التقليدية ، وتعد زيارة السلطان هيثم بن طارق للملكة العربية السعودية مدخل واسع لعلاقات استراتيجية جديدة ومتينة بين البلدين وهي ترجمة "لمعادلة لا غالب ولا مغلوب " فرضتها مصالح مشتركة و تدخل في إطار ترتيب البيت الخليجي الداخلي ، نأمل ان تنعكس إيجابيا على القضية اليمنية التي تعد من القضايا الخلافية الكبرى بالإضافه طبعا الى قضايا اخرى معروفة .بالمجمل يمكن القول بأن السياسة العمانية تجاه القضية اليمنية متوازنة وعقلانية إلى حدا كبير وهي مؤهلة للعب دور إيجابي في المرحلة القادمة استجابة لحاجة موضوعية . يبقى ان نشير بامتنان كبير بأن سلطنة عمان فتحت أبوابها للحالات الإنسانية اليمنية ووقفت باخلاقية تامة مع ضحايا الحرب العبثية ولم تقيد الجوانب الإنسانية بالموقف السياسي . حيث ظلت منافذها الحدودية مفتوحة أمام اليمنين من جميع الأطراف الذين وجدوا نفس الإهتمام والرعاية . يبقى السؤال .. ماذا تريد سلطنة عمان من اليمن ؟ اعتقد بأن ليس للسلطنة أطماع علنية او مستتره تجاه اليمن فهي قد قامت بترسيم حدودها منذ سنة ١٩٩٢م . ونحمد الله بانه ليس لديها هلوسة ولم تصاب بمرض العظمة للعب دور الدولة العظمى التي تبحث عن النفوذ والتوسع الإقليمي وبالتالي الزوج بأبنائها في أتون حروب الأشقاء في سبيل أوهام لن تتحقق لها أو لغيرها فاليمن اكبر بكثير من ذلك . واظن بان كل ما يهمها ان تبقى حدودها التي تقدر مساحتها بمئات الكيلو مترات آمنة في وجه المهربين والجماعات المتطرفة من على قاعدة حسن الجوار والمصالح المشتركة. وهذا لن يتأتى إلا باستقرار اليمن كل اليمن وهو ما نامل تحققه في قادم الأيام .
بقلم مسعود احمد بيت سعيد