علي ثابت القضيبي يكتب:
عاصفتهم التي إرتدّت جنوباً
عصر ثالث العيد ، كنت وصديق عسكري نفترش رمال ساحل كورنيش البريقه بعدن ، وكان وجههُ منهكاً ويتمزّق ألماً ، فهو لم يكسِ أولاده أو يجلب أضحيةً للعيد ، وهو عقيد من جحافل المطرودين من جيشنا الجنوبي بعد حرب 94م ، وبدأ حديثه مشيراً الى أنّ مكرمة الإنتقالي للعسكريين حلّت شيئاً من مشكلة الغذاء والديون المتراكمة ، وأضاف متسائلاً : ( لكن بالله عليك كيف تتخيّل نفسيّة أطفالك عندما تعجزُ حتى عن توفير خِرقة رخيصة لهم للعيد ؟ ) ، وتمتم بغضبٍ : ( حتى متى نصبر على هؤلاء الأوغاد وحربهم الكاذبة هذه ومخطّطاتهم الجهنمية نحو جنوبنا ؟! ) .
* أتحسّسُ بمرارةٍ فحوى حديثه ومعاناته ، وفي دواخلي ايضاً يصخبُ نفس السؤال الذي أَقضّ مضاجعنا جميعاً هنا في الجنوب ، وهو : ( فعلاً حتى متى نظلٌ صابرين مُتحملين لتبعات حربهم الكاذبة ومؤامراتهم الخبيثة نحونا ؟ ) ، فهم لم يحرروا شبراً من كل الشّمال ، والشرعيّة مجرّد أكذوبة فجّة ، وجيشهم الكرتوني خيال مٱته وحسب ، وهو يستأسدُ بالإرهابيين في جنوبنا ، والواقعيٌ أنّ مايدورُ ليست حرباً ، بل هي مسرحيّة لتهيئة رقعتنا لمٱءلاتٍ رسمها الكبار .
* الشارع هنا ليس ساذجاً ، أو يمكن أن تنطلي عليه حرب الوهم الدّائرة ، ومن الجائز أنهُ إبتلعها في البداية ، لأنّ دُخول التحالف الى جغرافيتنا في بداية الحرب كان بعنفوانٍ مصحوباً بزهوٍ كالطاؤوس ، ورويداً رويداً تضاءل العنفوان والزهو ، حتى طلعات طيرانه لقصف الحوثي تلاشت تقريباً ، واليوم هو لايتحرّك إلّا فيما يخدمُ توجهات السيناريو إيّاه ، والصورة إتّضحت بكل جلاءٍ .
* إذاً ، نحنُ هنا في الجنوب سنصبرُ حتى متى ؟ أو كم نستطيعُ الصمود ؟ والغلاء توحّشَ بجنونٍ ، والدولار تجاوز الألف ريال ، ومداخيل الناس هنا زهيدة ، فهي عند أدنى حدود مداخيل أفقر دولة في العالم ، والخدمات إنهارت تماماً وبتعمدٍ مقصود ، ولا بارقة أملٍ في أداء حكومة الوهم التي خرجت من عباءة الإتفاق المسخ في الرّياض ، فهي مجرّد بيدقٍ صغير محدود الخُطى والحركة ، وممثلوا الإخوان فيها صورة صارخة لدُمَى تتحرّك بأوامر مُخرجهم إيّاه ، بل مؤشّر بوصلة الحرب تحوّل جنوباً الٱن ، وتحت سمع وبصر الإقليم والعالم ، وهذا هو المذهل في كل ما يدورُ اليوم .
* مايجري في جنوبنا اليوم هو صورة لجحيمٍ خُرافي يفتكُ بشعبنا ، وبعدهُ ما بعدهُ ، وحيتان الفساد والنّهب في الشّرعية وجوههم جامدة كأصنامٍ مُصلّبة لاتهزها النّوائب التي تعصفُ بالناس في القاع ، ولا ذرّة خجل أو تَململ بواعزٍ ديني أو أخلاقي يتحرّك فيهم ، بل هم أسهموا عمداً في تخريب البلاد ، وهُم دمّروا مصفاة عدن ، وعبثوا بالبنك المركزي ، ونَهبوا النّفط ، وعملوا على ترقيد معظم الممكنات الإقتصادية التي يمكن أن تحافظ على البلاد فوق هذا المستوى بمسافاتٍ ، وكلٌ هذا مُمنهجاً ومخططا له ولاشك .
* طُفنا وجُلنا وصاحبي في محاور عده ، وأسعدني أنّه وأمثاله من عساكرنا المنكوبين يستوعبون ما يجري جيداً ، بل ويتداولونهُ يومياً فيما بينهم ومع سواهم ايضاً ، لكن السؤال الأهم الٱن هو : ( طالما وكلنا ندرك حقيقة وكِنة كل مايدور ، ونعرفُ جيداً مَن هم المُحركين الفعليين ( داخلياً وخارجياً ) لكل العبث والإنهاك الذي يطحننا بعنفٍ ، بل ونَتخيّل النهاية الكارثية التي تنتظرنا إذا ظللنا هكذا ، فماذا بعد كل هذا ؟! ) ، وهذا هو المحوري حقاً ، أليس كذلك ؟!