علي ثابت القضيبي يكتب:
مَن بعد تونس؟
في لحظةٍ فارقةٍ في مسارِ التّأريخ المصري الحديث ، حينها كانت المحروسة تتلوّى بين أنياب وحش الإخوان الذي إفترسها ، يومئذٍ إنبرى الجنرال السّيسي ليتصدّر الحدث ، فألجَم الوحش ، وسحب المحروسة من فمهِ مُثخنة بجراحها ، وهي تتعافى الٱن بقيادتهِ ، هنا كما يبدو كانت بداية فكّ ربطة السّبحة ، وسقوط أولى حبّاتها على الأرض ، لأنّ الثانية تليها اليوم في تونس .
في تونس كرّرها الرّئيس بن سعيد بضرباتٍ مُحكمةً ، بل وفي توقيتٍ مفصلي ايضاً ، وقد تَصاعد فيه غُلو حزب النّهضة ( إخوان ) ، وفاقمَ من جُنوحه الى الممارسات العبثية الهيستيرية ، ووجّهَ لهم بن سعيد ضربته القاضية ، فَشَلّ البرلمان وأقال رئيس الحكومة ، وعَزَل فعاليات مؤثّرة منهم في جسدِ السلطة .. إلخ ، ولم تًفق النّهضة إلّا وهي مُقصقصة الأجنحة وخارج اللعبة التي إستفردَت بمضمارها طويلاً .
التّماثل في المشهد المصري – التونسي هنا جَلياً ، وخلاصته تقويض الهيمنة الإخوانية الطّفرة على السلطة في البلدين ، والقاسم المشترك بينهما هو توافر الظّهير الشّعبي ( الواعي والمتماسك ) في الحدثين ، وهما الشّعب المصري والتونسي الذين فاض بهما الكيل من عبث الإخوان ، ناهيكَ عن تمييعِ الدولة ، وجعلها مجرّد أداة لتكسب الدخلاء الجدد على السلطة ، والمؤسف هو إستخدامهم للخطاب الديني الزّائف الذي يُشرعن لهم ممارساتهم العبثيّة .
في الحدث التونسي ، وهو صادمٌ ومفاجيئ لشارعنا العربي ، هنا تَكَشّفت هشاشة وخُور قوى الإخوان ، وهي ظلّت تُمثل غولاً طاغياً على جغرافيتنا ، بل هم كانوا كفزّاعةٍ مرعبة ، خصوصاً بجناحهم العسكري الذي تخرجُ من عباءته فلول القَتَلة والإرهابيين وإثارة الفوضى والتّفجيرات .. إلخ ، ولاحظوا أنّ أداء هؤلاء الأخيرين يَتَلبّس بثوب العصابات المافويّة المنظّمة ، وهذا يُومئُ الى صِلة كيانهم الوثيقة بعرّابي ومجرمي الخارج بهذا الشّكل أو ذاك .
الشيئ الواقعي في مصر وتونس ، أنّهم – الإخوان – تلاشوا وذابوا كقطعة ثلجٍ تُركت في العراء ، هذا يُشير الى زًيف المنشأ والخطاب الذي إنتهجوه ، وكذلك الهدف الذي تَواجدوا لأجلهِ ، وكلٌ الحقائق على الأرض تشيرُ صراحةً الى أنّهم محضُ كيانٍ إستحضرتهُ لوبيّات خارجية بعينها ، ولأجلِ غاياتٍ بعينها ، بل الأول والأخير فيها هو إستخدامهم كذراعٍ وهراوة على أمّتنا العربية والإسلامية ، وعملاً بسياسة أضربهم ببعضهم ، ولذلك كان الخطاب الذي تَشدّقوا به زوراً هو نفس خطابنا وشعائرنا وخلافه .
الجدير بالإشارة أنّ جحافل وطوابير طويلة من شبابنا وأخوتنا ، بما فيهم من حَمَلة الشهادات العلمية والأكاديمية ، كلٌ هؤلاء وقعوا في حبائل هذا الكيان بمسمّياتهِ وتفريعاته المختلفة ، بل وفي مختلف بُلداننا العربية والإسلامية وفي الخارج ايضاً ، والسبب لأنّ خطابه الظاهر ديني صرف ، وأهدافه المزعومة دينية كما يُسوّق ، بل ويرفعُ شعار إقامة الخلافة الإسلامية الحقة كما يروجُ ، هذا يغري كثيرين ، خصوصاً من لم يبحثوا أو يتيقّنوا من حقيقة كِنة وإرتباطات قياداتهم الأبعد ، وكذلك جمعيات كيانهم وإرتباطاتها وحقيقة أنشطتها وتمويلاتها الخارجية المشبوهة وخلافه ، ومثل هؤلاء معذورون الى حدٍ ما ، لكن عندما تتكشّف حقائق الممارسات والفضائع التي أُرتكبت من قبل كيانهم في دولٍ عدّة ، فالمسألة تستدعي إعادة النّظر ولاشكّ .
مَن بعد تونس ؟ وأيٌ دولة ستنفضُ غبار الإخوان عن جسدها ؟ والسبحة إنفرط عقدها ، ولم يبقَ إلّا توافر النخبة أو الزّعيم أو الكيان الذي سيتصدّر المشهد ، ولأنّ للعبث أجل ونهاية ، والشّواهد أمام العين ، أليس كذلك ؟!