كرم نعمة يكتب:

رئيس قساوسة هارفارد ملحد

كان الخبر الأكثر اهتماما في الصحافة الأميركية الأسبوع الماضي بعد اختيار غريغ أبستين كرجل دين ملحد، أو ما يوصف بالأب الروحي للحركة الإنسانية، رئيسا للقساوسة في جامعة هارفارد.

هذا المنصب في أرقى الجامعات الأميركية يقوم منذ أربعة قرون بتنسيق أعمال العشرات من القساوسة الذين يقودون الطوائف المسيحية واليهودية والمسلمة والهندوسية والبوذية في الحرم الجامعي.

كان الخيار لافتا خصوصا من رجال دين جامعيين، اختاروا رجل دين ملحدا ليكون على رأسهم في إدارة شؤون أديان مختلفة، لسبب قد يبدو بسيطا في أروقة الجامعة الأرقى في العالم، لكنه سيكون فنتازيا عندما يتم تداوله في أوساطنا الإسلامية.

لقد أجمع رجال دين جامعيون من مختلف الأديان على تأثير أفكار أبستين وقوتها الروحية لذلك بدا لهم جديرا بهذا الموقع الديني الجامعي. على الجانب الآخر أجمعت نخبة كبيرة من الطلاب بعضهم نشأ في عائلات متدينة وآخرون لم تُعرف قناعاتهم الدينية، على تأثير أبستين على حياتهم الروحية.

ذلك يعني أن هناك من يعرّف نفسه بالروحاني من دون أن يكون مؤمنا بدين محدد. وهو ما سبق وأن عبّر عنه رجل الدين الملحد غريغ أبستين في كتابه “الخير بدون الله” الذي لقي تجاوبا غير متوقع من القبول بأفكاره.

يعرف أبستين الذي يعمل منذ عام 2005 كقس إنساني في جامعة هارفارد بأنه قائد ورجل دين روحاني بارز في الحركة الوطنية لبناء مجتمعات إنسانية إيجابية وشاملة وملهمة. لذلك اتفقت على تسميته كبرى المؤسسات الدينية والبحثية “كأحد كبار رجال الدين والأخلاق في الولايات المتحدة”.

لست مخوّلا في الحكم على تصنيف أبستين كرجل خير أو شر أمام القارئ العربي، خصوصا المسلم منه، لكنني أرى من الأهمية وفق مبدأ حرية تبادل المعلومات تقديمه للتأمل في طبيعة أفكاره، حيث يرى أن نسبة متزايدة من الناس لم تعد تتعاطف مع أيّ تقليد ديني لكنهم يعملون كأشخاص صالحين لعيش حياة أخلاقية. وقام على مدار عمله أستاذا في هارفارد على تدريس أفكار الحركة التقدمية التي تركز على علاقات الناس مع بعضهم البعض بدلاً من علاقتهم مع الله. ويدافع عن فكرة عدم التطلع إلى إله للحصول على إجابات، بقدر الحصول عليها من تداول الناس الخيرين مع بعضهم.

مع ذلك لا يرى ممن انتخبه من زملائه القساوسة ورجال الدين بالإجماع أن يقودهم رجل ملحد فكرة غير منطقية، لأن أبستين لم يتخل خلال سنوات عمله في هارفارد عن إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين الأديان المختلفة للحصول على القيمة المضافة التي قدمها الدين خلال قرون.

مهما يكن من أمر أن هذا القس اللاديني فرد في تيار يتزايد ويبدو الأسرع نموا في العالم، ففي الولايات المتحدة وحدها يشكل الملحدون والمحايدون دينيا نسبة 20 في المئة من السكان.