مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):

العملاقة تصبح ملعقة

وُلِدَت الأحزاب الثلاثة (الاستقلال-التجمع الوطني للأحرار-الأصالة والمعاصرة) يوم الثامن سبتمبر 2021 لطرد حزب العدالة والتنمية المتربع على كرسي رئاسة الحكومة المغربية على امتداد 10سنوات من خلال ولايتين متتاليتين كاملتين بالغ خلالهما من استعمال "نعم" لدرجة أنسته تمثيل جزء من الشعب الحاصل على ثقته كان . جاءت النتيجة عملاقة ككل بداية بعد انتهاء عقد من الممارسة الحكومية الموجهة وفق تعليمات خاصة مباشرة من الدوائر العليا لضبط تدبير الشأن العام المرتبط بحياة شعب ما كان عليه منذ الاستقلال إلاَّ القبول بالأمر الواقع ولو كان في معظمه مُراً لا يُطاق ، تبدأ كما سيبدأ "أخنوش" ومن معه وأن كان بفارق غير مسبوق ، أن يخضع ل "نعم" ولكن بشروط أقلها أهمية إن رفض يُنظر لعيره في لمحة بصر وينتهي لما انتهى إليه أحمد عصمان وكل من سبقه في رئاسة الحزب المعني ، ليس هناك احتيار بين وبين بل هو تنفيذ لأمر ، ومن يعتقد أن الديمقراطية وما جاورها تحميه فهو قليل التربية لدى أولياء الأمور وعليه أن يتربَّي في السرِّ آو العلن ، المهمّ "التَّربية" بالمفهوم "المَخْزَنى" التي تُعَدُّ بالعامل المشترك لكل خِتامٍ مُرتقب داخل مستشفى في أحسن الأحوال ، أو نزيل زنزانة ابعد سجن عن مقر سكتاه ، ليُنسَىُ حتى من طرف عائلته  كأسوأ احتمال. لثالث مرة تشكيلة "أخنوش" تُقَابل بالرفض من طرف الملك محمد السادس ، وهذا يُفسَّر الخلل المُرتكب من طرف توسيع نطاق "نعم" لتشمل الحزبين الراغبين مشاركة أخنوش حكومته حيث نطقها بغير تردد وهو يقبل أسماء محروقة ، مجرَّد وجودها في الحكومة المقبلة يخلق حولها عدة شكوك ، بخلاصة أنها حكومة المنافع الذاتية لآسر حزبية بعينيها ، أما التفكير في مصالح الشعب فقد انتهى بإعلان وزارة الداخلية نتائج الانتخابات . علما أن "نعم" معمول استعمالها مع طرف لا ثاني له أصلاً ، الحاكم المتحكّم المخطّط المُبرمج الساهر على حماية البلاد والعباد ، المسؤول المنتهية إليه كل المسؤوليات بقوة القانون وعلى رأسها الدستور ، الحاصل على ثقة الشعب بغير حاجة لديمقراطية أحزاب متسابقة على ملء مناصب وزارية بغير كفاءات ولا مؤهلات علمية. "أخنوش" متيقن من هذا لكن قلة خبرته السياسية وضعف حنكته في تسيير متطلبات منصب رئيس لحكومة المملكة المغربية  وجد نفسه محاصر بين مسألتين النجاح ليخسر أو ليخسر ليخسر، والعبرة أمامه مشخصة بوضوح في "العثماني" الذي سبق ونجح ليحسر (بعد خمس سنوات من رئاسته للحكومة) كل شيْ حتى ثقة الشعب الذي عاد ليعيش وسطه مكسور الخاطر .

المملكة المغربية نظام حكم غير متكرر في العالم قائم على ركائز العارق بها محسوب على المغاربة ألكاملي الانتساب للمغرب قلباً وقالباً ، من تلك الركائز الدائمة ما بقى هذا الوطن وطناً، أمارة المؤمنين التي لها مؤسستها وأطرها من علماء الدين وأسلوبها المكيف حاليا مع متطلبات الحداثة لمستوى معين لا يتخطى الأصول والأعراف والتقاليد الغير مكررة خارج المغرب على الإطلاق ، مع تلك الإمارة للمؤمنين وعلى رأسها أمير هو نفسه قائد الدولة الذي هو ذاته الملك محمد السادس ثلاث مهام سامية موحدة في حاكم ، ولكل مهمة أناسها وخبراؤها  ومسيرو شؤونها المنظمة بقوانين صارمة تجعل من استمرارها فوق أي أولوية من الأولويات ، محصنة بالعلم النافع الجاعل الأمن بكل تخصصاته العمود الفقري وصولا لتمر الأحقاب (مهما طالت وبما تضمنت من ايجابيات وسلبيات) في سلام ، قد تتغير الوجوه وتنتقل التعيينات السيادية السامية حسب الفترات المعاشة بظروفها وأحداثها ومستجداتها ، لكن الأسس لا تُمَس قطعا ، الحكومة بالنسبة لما ذُكر مجرَّد صفحة في كتاب ، فشَل مضمونها في بلوغ ما أُنشِئَت من أجله ، لن يؤثر في باقي صفحات ذات الكتاب ، ما دام هناك مَن يعوِّضها بمجرد قلب الصفحة الموالية ، "أخنوش" مهما أحاط به من سياسيي حزبه ، ومنهم رشيد ألطالبي العلمي ، المشبَّع بالثقافة والأسلوب السياسي الأمريكي المصدر ، والقائم مقامه في الشمال ، الذي تخلَّى عن رئاسة جماعة تطوان الحضرية لصديقنا المشترك المهندس المعماري البكوري،   من أجل التطلُّع للحصول على منصب وزير، سيظل "أخنوش" حريصاً على الاكتفاء بما هو راسخ في ذهنه بحكم البيئة التي ألِفَها ، فأهدته منصب رئيس جماعة أغادير الحضرية ، ممَّا سيرتكب أخطاء تسبب الاستغناء عن خدماته السياسية ، أو أن تُبقيه لتجعل من حكومته ألأفشل ما عرفها المغرب منذ حكومة الراحل أمبارك البكاي إلى اليوم الذي أفرز النتيجة الانتحابية العملاقة ليتحوَّل مَن يشارك على إثرها "أخنوش" في الحكومة المكلف بتشكيلها مجرَّد أصغر ملعقة.