د. علي الخلاقي يكتب:
محافظ المهرة بن ياسر ..وتواضع الكبار
هناك أشخاص تعرفهم تمام المعرفة، عايشتهم في صغرهم وشبابهم أو جمعتك بهم سنوات الدراسة أو الخدمة أو ربطتك بهم علاقات صداقة لكنهم حين يصلون لمواقع المسئولية يتعالون عليك ويصابون بالغرور والخيلاء ويتنكرون لكل صلة أو صداقة تربطهم بك وتغيب عن ذاكرتهم، بل ويتكبرون عليك وعلى الناس جميعاً، وأمثال هؤلاء تعوذ الله تعالى منهم بقوله: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ}.
وعلى العكس من ذلك الرجل المتواضع الذين كلما ازداد علماً أو مكانة ازداد تواضعاً، ولا تغره أو تغيره المناصب أو المسئوليات، وبمجرد أن تلتقيه لا يتنكر لك ولا للعلاقة التي ربطتك به، بل ولا ينسى فضلك ويشيد بك بكل فخر وتواضع، وهؤلاء هم نبلاء القوم.. ومنهم الرجل النبيل محافظ المهرة الأستاذ محمد علي بن ياسر، الذي التقيته للمرة الأولى بمعية زميلي د.محمود السالمي يوم الأحد الماضي ممثلين لمركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر، وبحضور صديقي الدكتور أنور كلشات وزير الكهرباء والرئيس الفخري لمركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث، استقبلنا بترحاب وبباشة وتحدث إلينا من القلب وكأننا أصدقاء واتضح أنه يتابع مؤلفاتي ولقاءاتي عبر الفضائيات، وأهديته في اللقاء بعض من إصداراتي ومن ضمنها كتاب يتحدث عن قبيلة المهرة وأعلامها في مصر في القرون الأولى للهجرة، كما أطلعناه على نتائج لقائنا التنسيقي مع الزملاء في مركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث والاتفاق على تخصيص مؤتمر علمي لتاريخ وتراث المهرة العام القادم فرحب بذلك وسُرّ أيما سرور وأبدى استعداده لدعم المؤتمر وأي فعالية تخصص للمهرة بتراثها وتاريخها.
ما دعاني للحديث عن تواضعه الجم وحُسن سريرته هو ما فاجأني به للحديث الودّي عمن له سابق معرفة بهم من مرافقينا في هذا اللقاء، الذي نسّق له الشيخ وزير بن حسن الحميري،. فبمجرد أن رأى العقيد أحمد صالح الدعاسي حتى بادره بالتحية وتعانقا عناق الأصدقاء، وبعد أن سأله عن صحته قال وهو يتحدث عنه:” هذا الرجل خدم المهرة أكثر مني وبكل إخلاص ومثله يستحق التقدير”.
فدفعني فضولي لمعرفة شيء عن خدمته في المهرة، التي جعلته يحظى بهذا التقدير من المحافظ، فعلمت أنه حاصل على الماجستير في القانون ودبلوم كلية الشرطة. ربط حياته وخدمته ومستقبله بالمهرة منذ وقت مبكر من شبابه وتحديداً منذ عام 1980م وفيها أنهى الثانوية العامة، وبعد تخرجه من كلية الشرطة عام 1984 ضمن أوئل الدفعة عاد إلى المهرة وعمل ضابط تحقيق في المباحث الجنائية ومن ثم مديراً لمباحث مديرية الغيضة. وفي عام 1987م تم ابتعاثه للدراسة في أكاديمية الشرطة بالعاصمة الروسية موسكو وعند تخرجه منها عام 1992م عاد إلى المهرة مديراً للشؤون القانونية لأمن المهرة حتى صيف حرب1994م ثم تم إيقافه قسرياً عن العمل، حتى تم إعادته عام 1998م رئيساً لقسم الاعتداء والقتل، ثم مديراً للبحث الجنائي الغيضة، ومنذ سنة2005م مدير بحث محافظة المهرة حتى 2015م، ثم عُيّن مساعد مدير أمن المهرة حتى عام 2019 م، وحالياً متقاعد وبدون عمل. ويقول أنه أحب المهرة وأخلص لها طوال سنوات عمله وتربطه وأسرته روابط وأواصر قوية بالمهريين ويعبر نفسه مهرياً. وأيقنت بعد ذلك مصداقية محافظ المهرة الذي أثنى عليه.
الرجل الثاني الذي أثنى عليه المحافظ وعلى خدمته الطويلة والمستمرة بإخلاص في المهرة حتى اليوم هو العقيد حكيم محسن عبدالقوي المطري، حيث قال المحافظ بن ياسر :”إنني كنت مجنداً أثناء خدمتي العسكرية تحت قيادة هذا الضابط “.
والعقيد المطري هو الآخر ممن ربط حياته وأسرته بالمهرة منذ ثمانينات القرن الماضي، فهو خريج الدفعة العاشرة كلية عسكرية عام ١٩٨٣م وكان ضمن الضباط المعينين في قيادة المحور الشرقي بمحافظة المهرة بعد تخرجه مباشرة، وقد عُين عام 1985 نائب قائد كتيبة ٤/دبابات بعد عوته من دورة تأهيلية في الاتحاد السوفيتي، وفي هذه الفتره كان الاستاذ محمد علي ياسر ضمن مجندي الخدمة الوطنية الإلزامية الدفعة ١٥ وخدم في كتيبة الدبابات وجاءت أحداث ١٣ يناير المأساوية وكان هو وزملائه على وشك التخرج من التجنيد فتأخر تخرجهم ٦ أشهر خدمة إضافية، ومنذ ذلك الحين لم ينسَ المجند محمد علي ياسر قائده الذي أدى الخدمة العسكرية ضمن أفراده في كتيبة الدبابات، وقد ذكر لنا ذلك بكل فخر واعتزاز، ثم توطدت تلك العلاقة بينهما لاحقاً، المنطلقة من العمل المشترك حيث وصل المجند محمد علي ياسر إلى عضوية مجلس النواب ثم محافظاً لمحافظة المهرة اليوم، فيما تدرج الضابط حكيم المطري في مسئوليات عسكرية عديدة وهو اليوم رئيس العمليات المشتركه لمحافظة المهرة، منذ عام 2017م ويلتقي بحكم عمله باستمرار بمجنده السابق، محافظ المهرة اليوم الأستاذ والإنسان محمد علي بن ياسر، الذي ترك لدينا خلال هذا اللقاء القصير إنطباعاً عن نبله وتواضعه وحُسن أخلاقه لن ننساه ما حيينا.
أنه كبير حقاً ..ليس بمنصبه الذي لن يدوم وسيغادره ذات يوم، ولكن بقيم التواضع والخصال الحميدة والأخلاق الجميلة التي عُرف بها ويشهد له بها كل من عرفه..فتحية تقدير له ولأمثاله.