عبده يحيى الدباني يكتب:

الدكتور الفقيد عبدالله مقبل عبيد.. طبيب حالمين الأول

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
تناهى إلينا خبر وفاة الصديق العزيز د عبدالله مقبل عبيد صباح يوم أمس وكان رحمه الله قد لقي ربه ظهر الأمس الثلاثاء الموافق ٢٦/ اكتوبر/٢٠٢١م ، بعد سنوات من الموت السريري والمعاناة التي لا يعلم بها إلا المولى جل وعلا فالحمدلله على قدر الله .
لقد حز في نفوسنا رحيله بسبب أننا انقطعنا عن زيارته لمدة ليست قصيرة بسبب مشاغل الحياة ولا نزكي أنفسنا عن التقصير ، فنظراً للحالة التي كان فيها كانت الزيارة واجبة علينا ولو بين حين وآخر . الدكتور عبدالله مقبل رحمه الله خدم الناس كثيرا وله فضل علينا وعلى الآخرين من عدن او من أبناء الريف القادمين إلينا من حالمين وردفان وغيرهم فهو من أوائل الأطباء من أبناء الريف في عدن الحبيبة.
بهذا المصاب الجلل نتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى ولديه العزيزين مقبل عبد الله مقبل وسلمان عبدالله مقبل وإلى كافة أفراد العائلة وإلى أخيه الدكتور القائد العسكري عارف مقبل عبيد وإلى أولاد اعمامه وإلى قبيلة النسري كافة ، نسأل الله تعالى ان يغفر له وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة .
الدكتور عبدالله مقبل عبيد من مواليد منتصف الخمسينات من القرن الماضي تقريبا في حدود ١٩٥٤م أو ١٩٥٥م لايخرج عن هذا التحديد وإن لم يكن لدي تحديد دقيق ولكن هكذا استنتجت نظراً لبعض القرائن من خلال زملائه واترابه اي الجيل الذي ينتمي إليه ، كان مولده في قرية النسري في حالمين في مرحلة شديدة البؤس في تأريخ جنوبنا الحديث مع اقتراب موسم الثورة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي. وحين تأسسس التعليم الحكومي
في حالمين وفتحت المدارس في نهاية ١٩٦٨م حينها كان فقيدنا طفلا يافعا فالتحق بمدرسة الدهالكة في جبل حالمين بعد أن نال قسطا من التعليم في معلامة القرية على يد عمه الشيخ قاسم عبيد رحمه الله تعالى. درس في مدرسة الدهالكة حتى الصف السادس وكان طلاب هذه المدرسة بعد هذا الصف ينتقلون إلى الحبيلين لدارسة المرحلة الاعدادية وقبل الاعدادية رشح لدورة قصيرة في مجال الصحة في لحج وكانت هذه الدورة هي الخطوة الأولى لفقيدنا في طريق الطب الطويل الذي خاضه بكل جدارة.
وبعد المرحلة الاعداداية التحق بالمعهد الصحي وكان من أوائل طلاب الريف الذين دخلوا المعاهد المختلفة في ذلك الزمن الرائد الجميل زمن البناء والتنمية .
وبعد هذا العام من الدورة او الدراسة توظف في مجال الصحة وأثناء الخدمة قبل نهاية السبيعينات من القرن الماضي التحق في الدراسة في معهد آمين ناشر العالي للعلوم الصحية لمدة ثلاث سنوات ونال بذلك شهادة الدبلوم العالي وبعد هذه الدراسة عاد إلى عمله في وزارة الصحة وعين مديرا اللمركز الصحي في الفتح ذلك المركز الذي كان خاصا بكبار مسؤولي الدولة في العاصمة عدن . بعد ذلك سافر إلى روسيا لدارسة الطب في الجامعة
وقضى هنالك سبع سنوات كانت الأولى منها لدراسة اللغة الروسية
وسائر السنوات لدراسة الطب العام.
وبعد تلك الرحلة المظفرة عاد إلى الوطن وعمل في الوزارة بعض الوقت ولكن نظرا للمضايقات والمنافسات التي تحصل عادة قررت الوزارة أن تبعثه إلى محافظة شبوة ليؤدي واجب ما كان يسمى بالخدمة في الريف.
وفي مستشفى عتق العام خدم فقيدنا رحمه الله عاما كاملا ،كل هذا كان في عقد الثمانينات ، وبعد أن أدى هذه الخدمة الريفية في تلك المنطقة النائية لم يتوقف لدى هذا الرجل الطموح هاجس الدراسة فعاد مره اخرى إلى جامعته في روسيا ليكمل دراسة التخصص في مجال طب الأمراض الجلدية والتناسلية ليعود في مطلع التسعينات إلى عدن بعد دخول دولة الجنوب في تلك الوحدة المغدور بها .
في تلك الفترة بدأت اتعرف عليه عن قرب بعد إن كنت اسمع عن أخبار دراسته ونجاحه كلما ذكر الطب وذكرت الأمراض والمستشفيات .
انا حولت عملي من التربية التعليم في حالمين ردفان لحج الى جامعة عدن معيداً في كلية التربية عدن ، كنا جيرانا في خور مكسر وصديقين وتعززت العلاقة بيننا ، فعمل في تلك الأيام بمجمع الميدان الصحي في كريتر لسنوات، وبعد ذلك عينّ مديرا لمجمع القطيع في كريتر نفسها ولم يتجاوز هذا المنصب ترقية وهو منصب مدير المجمع بسبب مضايقات كثيرة ، فهذا الرجل بطبيعته صريح وشجاع وينتقد الأخطاء حيث كانت وليس من النوع الذي يتزلف الأخرين
او انتهازيا ولكن كان يطالب بحقه بقوة ويرى نفسه جديرا بالترقية ولكن الكثير لاتعجبهم هذه الطريقة
بل يخافون من صاحبها ، وكان ينتقد نظام مابعد ١٩٩٤م بكل شجاعة ، انا أعرفه زميلا وصديقاً كان ينتقد الأساليب المتبعة في الطب والتعيينات في المستشفيات وغيرها وتجده يصرح بذلك ولهذا السبب جرى اقصاؤه ومحاربته.
حاول في منتصف التسعينيات ان يلتحق مدرسا في جامعة عدن في كلية الطب في قسم الأمراض الجلدية والتناسلية وكان القسم يحتاج للكوادر الشابة ولكن للأسف لم يتوفق نظرا للمحسوبية وغيرها .
بعد ذلك اي مابعد عام ٢٠٠٠م أنا سافرت لدراسة الدكتوراه في العراق الشقيق فحصل بيننا انقطاع بسبب السفر وحتى عندما عدت إلى عدن بعد ثلاث سنوات تحول سكني من خور مكسر إلى مدينة الشعب فقل التواصل بيننا ولكن لم ينقطع .
فكر فقيدنا في الأخير أن يفتح عيادة طبية خاصة بعد أن نصحه أصدقاء وزملاء في ذلك ، قالوا له انت طبيب ممتاز ومعروف وإذا فتحت عيادة سوف تنجح ، وهو لم يكن يريد ذلك كان يريد أن يعالج مرضاه مجانا في المجمع او في اي مكان كانوا لم يرد أن يحول الطب إلى سلعة مع أن هذا كان مسموحا ولا يزال ،فممكن لأي طبيب فتح عيادة ويساعد الفقراء ويساعد الناس ويأخذ حقه مادام الدولة قد سمحت بحيث لا يكون ذلك على حساب عمله في المستشفى اوعلى حساب دوامه الرسمي في أي مكان ، المهم أن الطبيب يبقى طبيبا سواء في العيادة او في بيته او في اي مكان لأن الطب في الأصل ليس تجارة قد يفتح الطبيب عيادة ويعمل ويكسب لكن ليس الهدف الأساسي هو الربح بعيدا عن رسالة الطب المقدسة .
فتح عيادته في المنصورة
ونجح نجاحا كبيرا نظرا لتعامله الراقي مع المرضى فاشتهرت عيادته وتواصى عليه الناس أنه رحيم ومتعاون ودقيق في عمله ، كام معلما وطبيبا في آن واحد لأنه يعطيك علاجا لهذا المرض ولكنه يشرح لك سببه وما عليك من عمل لتجنبه مرة أخرى وعليك ان تأكل كذا وكذا كان يهتم بالجانب التوعوي الصحي وهو يطبب الناس .
ظلت هذه العيادة تشتغل إلى أن اصيب فقيدنا الطبيب بجطلة دماغية عنيفة لم ير بعدها من عافية اقعدته طويلا وظل على سريره منذ خمس سنوات او أكثر إلى ان توفاه الله تعالى .
كان الدكتور عبدالله مقبل يمثل سفيرا طبيا لحالمين وردفان في عدن
كان المرضى يتوجهون إليه وان لم يكن هو المختص بأمراضهم المختلفة
فإن كان المريض يقع في دائرة تخصصه عالجه وإن كان مرضه يخص طبيبا آخر ذهب به إليه او دله عليه واتصل به يوصيه بالمريض خيرا وهكذا وكان الكثير من المرضى يزورونه في منزله وكان يشرف احيانا على علاج مرضى اسكنهم في منزله .
الدكتور عبدالله اشتغل في زمن صعب في زمن كانت الكفاءات الطبية في طور النمو والتقدم وكان خريجو الثانوية يتهيبون دخول كلية الطب
حتى جيلنا نحن والجيل الذي قبلنا والجيل الذي بعدنا كنا لا نفكر ندخل كلية الطب كنا نراها كلية غير سهلة
إلا القليل من تلك الدفع المتقدمة كان هناك نوع من التهيب نوع من التخوف وكان ايضا التعليم دقيقا وجادا ومجودا ، انا أرى أجيالنا الراهنة جريئة في التقدم لأي كلية مهما تكن صعبة ومهما كان الاستعداد العلمي الذي يؤهل لها ضعيفا لديهم .
رحم الله الدكتور عبدالله فقد خدم الناس كثيرا كما ذكرت وكان من ملائكة الرحمة فعلا بالإضافة إلى خلقه الكريم الأصيل .
فجزاه الله تعالى خيرا عن مرضاه ومرضه.
بعون الله تعالى سنظل ندعو له لن ننساه دعاء صادقا فقد انقطعنا عنه في سنواته الأخيرة حين كان مسجى على فراش المرض لم يتحرك منه شيء سوى عينيه ولعله كان يعرف كل من زاره .
ولقد احسن الشاعر اللماح ابو باسل وهو ابن عم الفقيد حين أشار إلى التقصير مع الفقيد في سنواته الأخيرة حين قال يرثيه:
واشهد بأن الشعب قد قصر مع ذيب العول
طوال كل العمر ما واحد تكرم بالسؤال
يسأل عن الدكتور ذي حبي دوامه والعمل
من أجل هذا الشعب عبدالله بيسهرها
ليال
لكنما لا جنة الفردوس عبدالله رحل
في عصر هذا اليوم ودعنا وشدي بالرحال .

نسال الله ان يسامحنا ونسأل الله أن يتغمده جنته . وهناك في سيرة هذا الطبيب اشياء كثيرة وقد ذكرت ماتذكرتُ في ذلك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته