عبده يحيى الدباني يكتب:
عدن.. من مدينة حضرية راقية إلى قرية كبيرة بائسة!!
الحمد لله رب العالمين والصلاةوالسلام على سيد المرسلين اما بعد :
يوم السبت الموافق ١٣/نوفمبر/٢٠٢١م نظمت الأمانة العامة لاتحاد ادباء وكتاب الجنوب محاضرة ثقافية وعلمية في موضوع ( العاصمة عدن في الجغرافيا الحضرية بين الماضي والحاضر واستراتيجية المستقبل ) وكنا في قيادة الاتحاد قد نشرنا هذا الخبر في وقته وجرى تغطيته من قبل الإعلاميين في الاتحاد ولكني هنا لا اكتب تغطية خبرية ولكنني اعلق ثقافيا على ما ذكره ضيفا الفعالية العزيزان وأورد ما أتذكره من ذلك الحديث العلمي الرصين المسؤول الذي هز كياننا وجعلنا نتالم اسفا وحزنا لما صارت إليه مدينتنا وحاضرتنا وعاصمتنا عدن الغالية .
وكنت قد نسقت لتلك الفعالية التي كانت ضمن خطة الدائرة الثقافية للاتحاد وقد ادرت الفعالية بنفسي وقدمت ضيفيها الأستاذ حسن محمود الحديثي من العراق الشقيق أستاذ الجغرافية الحضرية، والصناعيةفي جامعة بغداد سابقا وفي جامعة عدن حاليا وكذلك الدكتور ناصر ناجي حسين الحالمي نائب مدير مطار عدن الدولي، والباحث في الجغرافيا الحضرية الذي أنجز أطروحته للدكتوراه عن عدن في الجغرافيا الحضرية .
وقد أشرت في البدء إلى أهمية هذا الموضوع وإلى أهمية المتحدث عنه، وهي عدن عاصمة الجنوب ، هذه المدينة التي تسكننا ونسكنها .واننا في اتحاد أدباء، وكتاب الجنوب نهتم بكل مايتعلق بحياة عدن .. بتاريخها وبثقافتها ،وبأدبها، وبفنها وبغنائها، وبجغرافيتها، وبحرها، وبرها ،وفي ريادتها في عدد من المجالات.
ليس لدينا أي محاذير أو أي خطوط حمراء تخص عدن ،فنحن نتناول كل ما فيها، وكل مايخصها كرسالة ثقافية ينهض بها الاتحاد وقد ذكرت أن تلك المحاضرة ليست ترفا ثقافيا ولا هي مجرد تنفيذ نشاط فحسب ولكن طلبت من الباحثين الأستاذين أن يكونا طبيبين ليشخصا مأساة عدن في هذا الجانب الحضري والصناعي والتجاري والمدني لأنها تعاني ماتعاني في هذا الجانب..قلت هذا الكلام في البدء فلما جاء دور الأستاذين في الحديث وجدنا ماهو أكثر من هذا التوجس وهذا الخوف الذي كان لدينا فقد وضعا أيديهما على هذه الجراح المفتوحة التي تعاني منها هذه المدينة ، في جوانب التخطيط والسياحة، والصناعة وعدد السكان، والعمالة والبطالة وضعف الاقتصاد، ، وكثير من الأمور التي سوف أتتبعها هنا بناء على ماسمعت أثناء هذه المحاضرة .
أوجز د ناصر الحالمي أطروحته التي تناول فيها عدن في الجغرافيا الحضرية وقدم تصورا علميا لنمو المدينة حتى عام ٢٠٤٥م وهذه الأرقام، والجداول التي أعدها ووصل اليها كان لها مؤشرات تدل على المشكلة التي تحدثنا عنها ،ولم يكن كلامه إنشائيا ،ولكن هو تحدث بلغة العلم ،ولغة الأرقام، ولكن هذه الأرقام تدلنا على الانتكاسة التي شهدتها عدن بعد عام ١٩٩٤م في المجالات الحيوية المختلفة .الزميل ناصر أيضا رسم تصورا لتخطيط عدن مستقبلا سواء في إطار مديرياتها المعروفة، ومناطقها الداخلية أو مستقبلا حين تتحول ضواحيها إلى مناطق داخلية ،وحين تصل عدن إلى الحوطة شمالا ،وإلى زنجبار شرقا، وكذلك حين تتجه غربا نحو البريقة، وعمران .
وأشار الباحث إلى المراحل التي مرت بها المدينة حضريا. وبدأ بالمرحلة التي سبقت الاحتلال الإنجليزي .تلك المرحلة الأولى ،ولكن هو أهتم بالجانب الحضري حيث وجد علامات ومعلومات ومراجع ومصادر تشير إلى هذا الجانب الحضري، والاقتصادي، والاجتماعي، وبدأ يؤرخ للمدينة حضريا وفق ذلك ، وإلا فعدن هي ضاربة أطنابها في جذور التاريخ من حيث وجودها ،ولكن الباحث يدرس دراسة جغرافية، وحضرية فبدأ رحلته البحثية من حيث وجد لهذه الحياة تحضرا ملموسا .
كذلك ضمن هذا التصور التخطيطي لمستقبل المدينة أقترح الباحث الحالمي تحت إشراف أستاذه د حسن محمود الحديثي إلى ضرورة وجود مركز حضري للمدينة يعني مركز لكل المرافق الحكومية المهمة
مثل الوزارات وغيرها التي يرتبط بها الناس، ويجتمع كل أهالي المدينة من مختلف مديرياتها في هذا المركز الحضري يسمى هذا مركز المدينة وبحيث تكون الطرق مسهلة إليه حتى يلتقي الناس ، ويجتمعوا ويتعارفوا ويقضوا مصالحهم في مكان واحد حتى يزيد تماسكهم بدلا من ان تكون هذه المؤسسات المهمة في اكثر من مكان داخل المدينة.
جرى الاقتراح العلمي أن يكون هذا المركز في المملاح وما حوله نظرا لتوسطه المدينة . وهكذا كان لابد من تخطيط شبكة مواصلات حديثة لأن عدن باتت تضيق بها طرقها وزادت عدد السيارات وزاد عدد الناس فلابد من شبكة للمواصلات حديثة واسعة تشمل بناء جسور، وشق أنفاق وغير ذلك .
الدكتور ناصر تناول الموضوع علميا وخرج بالأرقام، والجداول ليأتي مشرفه يحلل هذه الأشياء .
تكفل الدكتور حسن الحديثي بقراءة هذه المؤشرات التي دلت عليها الأطروحة ،وهي أحيانا مؤشرات مخيفة فإذا ظلت تتراكم من غير أي حل ومن غير اي قرار سياسي فسوف تقود إلى كارثة في عدن لأن المسألة ستظل تتراكم عاما بعد عام . الدكتور حسن قام باستعراض هذه المؤشرات التي دلت عليها النتائج والأرقام التي توصلت إليها أطروحة طالبه د ناصر ناجي التي أنجزت تحت إشرافه .من ضمنها أن عدن مدينة صناعية بامتياز نظرا لموقعها على البحر ونظرا أيضا لموقعها في مايخص العالم ومينائها وفي مايخص أيضا أنها قريبة من مناطق زراعية خصبة في دلتا أبين وفي دلتا تبن في لحج وغيرها من المناطق وتصلح أن تكون مدينة صناعية، وقد كانت كذلك في أيام الاستعمار البريطاني إلى حد ما . وفي أيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان فيها أكثر من مائة مصنع وكانت تصدر عددا من من المنتجات الصناعية لكن ماحصل من انكسار ، وماحصل من تراجع في وظيفة هذه المدينة وحضريتها كان بعد عام ١٩٩٤م حيث دمرت هذه المصانع كاملا وشرد عاملوها وموظفوها وخلت المدينة من أي مصنع ، واتخذت طريقها في جانب التجارة وحدها في حين ان الوكالات الرئيسية في صنعاء ولكن جانب التجارة وحده يدل على الإفلاس الإقتصادي ولايدل على الازدهار الاقتصادي خاصة في المدينة مثل عدن . تقدم خدمات استهلاكية مستوردة من غير أن تصدر ،ومن غير أن تشارك في الإنتاج .فهذه واحدة من المؤشرات التي هي خطر على مستقبل المدينة، فضعف الجانب الصناعي فيها مع أن عدن تصلح أن تكون مدينة صناعية بأمتياز وقربها من الميناء ،ونظرا لأهميتها ،ولأنها تغذي الأقليم الجنوبي كاملا وغيرها من الأماكن .
الدكتور الحديثي كذلك أشار إلى المراحل الحضرية التي مرت بها عدن كما ذكر الدكتور ناصر مضيفا ومعلقا على أن مرحلة الاستعمار كانت عدن منغلقة على مجتمعها وعلى أقليمها الذي هو الجنوب فكانت تدور حول نفسها ، فقد حصل فيها نوع من التطور ولكن بعد الاستقلال أنفتحت على أقليمها وكانت عاصمة لليمن الديموقراطي.
أشار الدكتور إلى عدة جوانب تعاني الانهيار في عدن مثل ضعف السياحة في عدن وكان ينبغي أن تكون عدن مدينة سياحية بامتياز وضعف الجانب الصناعي والجانب الاقتصادي وهناك بطالة مخيفة لأن المدينة ليس فيها تلك المصانع، وتلك الاستثمارات ومصادر العمل، وغيرها التي تستوعب الناس وتشغلهم من أبناء المدينة وغيرهم . المدينة فقط تقدم خدمات: مطاعم ومخابز ومواصلات واتصالات فقط ليس هناك استثمارات تمتص عددا كبيرا من الخريجيين ومن العمال الذين يعانون من البطالة حتى الميناء أداءه ضعيف ولا يشتغل حتى ب٥%من وتيرته وأصبح طاردا لمن يحتاجون خدماته فهناك من يشحن مواد ومصنعات عبر ميناء صلالة فتصل إلى جنوبنا الحبيب عبر البر فكان الأسهل أن يصدر عبر ميناء عدن ولكن نظرا للتعقيدات ونظرا للفساد ،ونظرا لمحاربة هذا الميناءصرنا نعاني مثل هذه الأمور . وكذلك مطار عدن ما يزال مهمشا ومهشما .الشيء الغريب أيضا الذي أشار إليه الدكتور العزيز هو انه نفسه متخصص في الجغرافية الحضرية والجغرافية الاقتصادية، والصناعية وله في عدن أكثرمن ١٨عاما ،ولكن لم أجد مثلا من يأخذ بأرائنا ويسألنا ويستشيرنا من الإدارة في عدن ومن الوزارات او ومن الحكومات المتعاقبة ، اومن أي جهة مسؤولة
فماذا يعني هذا ؟
هناك اهمال واضح للجانب الحضري والصناعي والاقتصادي وكأنه ليس مهما ولا حيويا .
ورأى أيضا أن جامعة عدن ضعيفة العلاقة مع محيطها الاجتماعي ومع حركة التنمية في هذا المجتمع يعني الجامعة تكتفي بالتدريس فقط، بينما رسالة اي جامعة ان تنهض ببيئتها الجغرافية من جميع الجوانب فدورها لم يكن موجودا ولا مذكورا ولم تؤد الدور المطلوب تجاه عدن، وماحولها في البحوث العلمية، وغيرها ،ومعالجة قضايا التنمية، والتخطيط، والتعليم، والصحة، وغيرها من الأمور .
جرت الإشارة كذلك إلى نمو المدينة سكانيا فهناك أزدياد للسكان وأزدياد للمساكن لكن هذا ليس تطورا لأنه لم يرافقه بناء المنشآت الصناعية،والشركات الاستثمارية والمرافق المختلفة والمدارس ،وغيرها يعني مساكن مساكن إلى أين وحتى متى ؟شيءثم أن هذا التطور في السكن أحيانا لايكون مخططا له بل كان عشوائيا او إنه جاء مخططا ولكن في مواقع هي تتبع الميناء ،والمنطقة الحرة. الشيء الآخر إنه ليس هناك شبكة خدمات قوية تستطيع أن تنهض بهذا التطور العمراني وتواكبه في المياه ،والكهرباء، وفي الطرقات، ولم ينظر إلى هذه الأمور، وهي مهمة لنمو المدينة .المدينةليست مجرد مباني ،وسكن ومن غير ما يتعلق بذلك من مقومات الحياة والتحضر والاستقرار .
وأشار إلى كثرة النزوح إلى عدن، وكثرة الهجرة الداخلية التي تان تحت وطاتهما المدينة، حتى في عدن تغير لم يعد ذلك المجتمع المدني الراقي يعني صار مجتمعا ريفيا بعاداته وبتقاليده ،وبتربية الحيوان في المنازل وفي الأحواش وفي السيطرة على الأماكن الفارغة التي خصصت للمتنفسات وللخدمات وغيرها.
إن من مكونات المدينة وشروطها هو وجود المجتمع المدني فيها بنسبة غالبة .
كذلك التواصل مدن عدن ضعيف وينحسر يوما بعد يوم لعدم وجود مركز في وسط المدينة يلتقي الناس فيه بكل سهولة، وسلاسة ،ولكن الآن نظرا لضعف الطرقات، ونظرا للإزدحام ،ونظرا للغلاء، ونظرا لعدم وجود شبكة مواصلات من الباصات، او القطارات .
هناك صعوبة في التنقل في اطار مدينة عدن .أنا أذكر اننا كنا ننتقل بسلاسة بين مناطق عدن : التواهي، الشيخ عثمان وكريتر والمعلى وخور مكسر كلها نطويها طيا في الباصات أو في السيارات . الآن صارت مشكلة أن ينتقل الإنسان من مكان إلى مكان نظرا للازدحام ونظرا للغلاء فهذا سوف يؤدي إلى أنغلاق هذه المدن على نفسها، وصعوبة التنقل فيما بينها بسبب شبكة المواصلات وغيرها، وطريق الجسر نموذجا لكل ذلك فدائما يعاني من أزدحام، وحوادث ومن أمور كثيرة .
تحدث كذلك عن شبكة الخدمات المتاكلة وما عليها من ضغوط هائلة فاذا كان مثلا الماء يأتي الآن يوما أو يومين في الأسبوع إلى المنازل فنحن نتوقع بعد كذا سنة إنه لا يأتي إلا في الشهر مرة فمع بقاء الخدمات القديمة على ماهي عليه من غير توسع ومن غير عمل مشاريع ضخمة في هذه الجوانب ففي هذه الحالة سوف نصبح أمام قرية كبيرة وليس أمام مدينة واسعة وسيكون المجتمع فيها مايقرب من ٩٠% مجتمعا ريفيا وليس مجتمعا مدنيا .
صال وجال الاستاذان في ماسي عدن الحضرية ومهما بحثنا عن حلول
ومعالجات فان الجذر السياسى وراء كل ذلك فالله يقيم بالسلطان ما لا يقيم بالقرآن فوجود القرار السياسى
الجنوبي الوطني المستقل المسؤول
هو الذي سوف يحلحل هذه المعضلات الحضارية المزمنة
ثم ان شعب الجنوب الذي ثار مبكرا
على هذه الأوضاع وغيرها وعلى من صنعها عمدا كان يدرك ان الحلول الجذرية موجودة في استعادة دولة الجنوب المستقلة وعاصمتها عدن .
د عبده يحيى الدباني