د. علي محمد فخرو يكتب:
أصلحوا ديمقراطيتكم ثم أعطوا الدروس
دعوة الرئيس الأمريكى إلى مؤتمر دولى عن الديمقراطية تستدعى طرح أسئلة على من سيقفون فى ذلك الاجتماع كأساتذة ومبشرين لإلقاء المحاضرات عن ديمقراطيتهم. أما دول الجنوب الأمريكى وآسيا وإفريقيا وبالطبع دول أرض العرب فلن نزعجهم بالأسئلة، إذ لن يكونوا أكثر من مستمعين متثائبين.
فعن أية ديمقراطية سيتحدث الرئيس الأمريكى؟ عن أوضاع وحقوق السود والملونين الأمريكيين الذين لم يتأمن لهم حق التصويت الحر غير المزيف فى ولايات الجنوب الأمريكى ومن ممارسة حقوقهم المدنية إلا فى منتصف الستينيات من القرن الماضى، وذلك بعد كفاح مرير وتضحيات جسام؟ أى بعد أكثر من مائتى سنة على صدور الدستور الأمريكى؟ أم عن استمرار التعامل الخشن المتوحش من قبل الشرطة الأمريكية مع الملونين والتى يستطيع الإنسان ذكر العشرات من أشكاله وضحاياه خلال السنتين الماضيتين فقط؟
هل سيتحدث الرئيس الأمريكى عن نظام المنح المالية الهائلة للذين يخوضون الانتخابات وذلك من أجل شراء ضمائرهم وعلى أن يرد هؤلاء الجميل بالوقوف مستقبلا مع مصالح الأغنياء المتبرعين؟ أم عن تصريح الرئيس الأمريكى أيزنهاور الشهير بأن الذين يحكمون أمريكا هى الدولة العميقة التابعة للأغنياء والعسكر والمخابرات؟ أم عن الحقيقة المعروفة بأن الغالبية الساحقة من مؤسسات الإعلام الأمريكية، والتى لها تأثير هائل على الرأى العام، وبالتالى المسيرة الديمقراطية، تملكها أقلية تبيعها وتبيع من يشتغل فيها لمن يدفع؟
هل سيتحدث الرئيس الأمريكى عما فعلته أمريكا بالعالم عندما حملت لواء الرأسمالية النيوليبرالية وأبعدت الرأسمالية الديمقراطية الكينزية الكلاسيكية فقادت إلى تكدس الثروة فى يد قلة وإلى ازدياد فى نسبة الفقر المدقع عبر العالم كله؟
هل سيحدثنا الرئيس عن ديمقراطية لا تستطيع أن تتحقق من صدق أكذوبة نشرها الرئيس بوش الابن مع مجموعة صغيرة من أشكاله من مجانين السلطة بشأن العراق، وذلك من أجل الاستيلاء على ثرواته وتدميره لصالح الكيان الصهيونى، وتدخل العرب بعد ذلك فى الجحيم الذى يعيشون؟
هل سيحدثنا الرئيس عن الانحياز الأعمى من قبل الديمقراطية الأمريكية لكيان صهيونى يمارس سرقة أرض الآخرين والقتل الممنهج للشعب الفلسطينى وتفجير البيوت على ساكنيها وحصار مليونين من شعب فلسطين فى غزة؟ وتسمح تلك الديمقراطية لرئيس جاهل معتوه كدونالد ترامب أن يقرر إعطاء الجولان السورى لذلك الكيان وكأن الجولان ملك خاص من أملاكه؟
ولن نذكر خطايا ديمقراطية سمحت بإلقاء قنابل نووية على اليابان، وبإلقاء قنابل نابالم لحرق غابات فيتنام، وللسماح للاستخبارات الأمريكية لتدمير أية ديمقراطية فى جنوب القارة الأمريكية لا تنصاع للهيمنة والاستغلال الأمريكى كما فعلت فى جمهورية تشيلى سابقا وتعمل مع فنزويلا حاليا.
ما علينا إلا أن نحيل الرئيس الأمريكى إلى كتاب: «كيف تموت الديمقراطيات» الذى كتبه الأستاذ فى جامعة هارفرد ستيفن لفتسكى وزميله دانيال زبرلات ويقرأ فى صفحة 206 هذه الجملة: «ما عادت أمريكا مثالا يحتدى فى الديمقراطية». إنه حكم قاسٍ وغير مشرف.
وعليه، فإذا كانت لدى الرئيس الأمريكى طاقة للتعامل مع موضوع الديمقراطية فليستعملها فى إصلاح مثالب وخطابات الديمقراطية الأمريكية، وما أكثرها. بعد ذلك ليأت ويلقى المحاضرات ويفاخر بدروس لا تطبق فى بلاده.
وأخيرا لا يحتاج الإنسان إلى الحديث المطول عن الديمقراطية الأوروبية التى لم توقف أوروبا عن استعمار ونهب نصف العالم، وتخون شعارى الأخوة والمساواة الإنسانية اللذين طرحهما عصر الأنوار، ولم توقف فى الماضى صعود وجرائم الفاشستية والنازية، ولا توقف الآن صعود الشعبوية اليمينية العرقية المتطرفة فى كثير من بلدانها. وبالتالى فهى أيضا آخر من يعطى الدروس والمواعظ.
وأخيرا، لنسأل الذين سيحضرون كمستمعين: متى ستتوقفون عن الاستجابة كخراف لكل صفارة تناديكم من أمريكا أو أوروبا؟ أيتها الديمقراطية كم من جرائم ترتكب باسمك.