الحبيب الأسود يكتب:
الإرهاب الحوثي والحزم الدولي المفقود
لا يتوقف الحوثيون عن حملتهم الواسعة لاستفزاز المجتمع الدولي، فكل ما يهمّهم هو التأكيد على أن مشروعهم الانقلابي المذهبي الطائفي المدعوم من نظام الملالي في طهران ومن بقية أدواته في المنطقة، قادر على أن يستمر طويلا بالاعتماد على الإرهاب ويده الطولى.
والهجومات التي نفذها الحوثيون ضد السعودية والإمارات تأتي ضمن سياق تلك الحملة، فالبلدان يشكلاّن مركزين مهمين في إدارة شؤون الطاقة وتحريك الاقتصاد العالمي، ويمثلان عنوانين أساسيين للنشاط التجاري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبذلك فإن أي محاولات لاستهدافهما تعتبر نشاطا تخريبيا في مستويات الحركة التجارية والصناعية والاقتصادية إقليميا ودوليا وتهديدا مباشرا للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
سيكون من الصعب على الحوثيين النجاح في تطويع موقف البلدين باتجاه القبول بانتصار مشروعهم الشعبوي الضال في اليمن. بل على الميليشيات المتحكمة في صنعاء أن تعلم جيّدا أن المعركة معها هي معركة وجود بالنسبة إلى السعودية وحلفائها الإقليميين، ممن يدركون أن المنظومة العربية ولاسيما الخليجية منها مستهدفة من قبل المشروع الإيراني الإمبراطوري العنصري القديم، الملتحف بالشعارات المذهبية والطائفية والساعي لتحويل بلاد العرب إلى سرب من العواصم التابعة تحت عباءته الكهنوتية.
يستعمل الحوثيون شعارات الثورة والممانعة والمظلومية الكاذبة والعداء للمملكة حصان طروادة للاستحواذ على اليمن، مستفيدين في ذلك من السلبية الدولية في التعامل مع هذه الظاهرة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها، فالعالم لم يتخذ خلال السنوات السبع الماضية من المواقف ما يشير إلى امتلاكه الوعي بالمخاطر والتهديدات الجدية التي تشكلها الجماعة، ولم يظهر حسما أو حزما في مواجهة الظاهرة الحوثية في اليمن وامتداداتها في دول أخرى.
قد يكون من الأفضل الوضوح في تسمية الأشياء بمسمياتها والوقوف عند تلك الدول التي تدعي أنها صديقة للمملكة وتبدي في الظاهر موقف الحياد من المعركة، فيما تنتظر في السر ما قد ينتج عنها من أوضاع تساعدها على ابتزاز دول المنطقة. فالميليشيات كانت ولا تزال سلاح البعض لفرض أجنداته ليس من خلال التبعية والولاء المباشرين، وإنما من حيث التقاطعات التي تصب في مصلحة هذا الطرف أو ذاك.
اليوم، تحاول ميليشيات الحوثي أن تفرض مشروعها على دول المنطقة عبر خرقها القانون الدولي واستهدافها المدنيين في السعودية والإمارات، وتعتقد أن اكتفاء المجتمع الدولي ببيانات التنديد يعطيها مجالا واسعا للإمعان في أعمالها الإرهابية
قبل يومين، قالت واشنطن إنها تفكر في إعادة تصنيف جماعة “أنصارالله” كمنظمة إرهابية بعد أن كانت إدارة جو بايدن قد شطبتها من القائمة الأميركية السوداء للمنظمات الإرهابية.
في فبراير 2021 كانت وزارة الخارجية الأميركية قد قررت إلغاء تصنيف الحوثيين من قبل الوزير السابق مايك بومبيو، وهو ما أعطى إشارة للتنظيم الإرهابي بأنه قادر على الإمعان في مشروعه الإرهابي والتخريبي بعد اعتراف الولايات المتحدة به كمحاور أساسي.
علينا أن ندرك أن الأمر مرتبط بمختلف إشارات الرئيس بايدن نحو الإقليم ومنها تلك المتعلقة بالمفاوضات مع إيران، وكذلك بما حدث في كابول في 15 أغسطس الماضي، عندما سيطرت حركة طالبان على السلطة ووجد حلفاء واشنطن أنفسهم عراة تحت أقدام المسلحين أو حفاة يحاولون المسك بعجلات الطائرات وهي تقلع من المطار عساها ترفعهم إلى ما وراء السحاب.
نشأت حركة الحوثي في صعدة في العام 1992 تحت شعار إحياء الإمامة (الخلافة) بينما نشأت طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994 على يد الملا محمد عمر، بدعوى القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994، وفي سبتمبر 1996 استحوذت الحركة على العاصمة وأعدمت ليلة دخولها الرئيس السابق نجيب الله.
وحاول الحوثيون السير على خطاها في صنعاء، ففي 19 يناير 2015 هاجموا منزل الرئيس عبدربه منصور هادي وحاصروا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس الوزراء، واقتحموا معسكرات للجيش ومجمع دار الرئاسة، ومعسكرات الصواريخ وفرضوا على الرئيس عبدربه منصور ورئيس الوزراء وأغلب وزراء الحكومة إقامة جبرية، وقاموا بتعيين محافظين، واقتحموا مقرات وسائل الإعلام الحكومية وسخروها لنشر الترويج ودعايات ضد خصومهم، واقتحموا مقرات شركات نفطية وغيروا طاقم الإدارة وعينوا موالين لهم.
وتواردت أنباء عن ضغوط مارسوها على الرئيس عبدربه منصور هادي وفرضوا عليه وعلى رئيس الوزراء خالد بحاح تقديم استقالاتهما في 22 يناير، ولم يعقد البرلمان جلسة لقبول الاستقالة أو رفضها حسب ما ينص عليه الدستور، وأعلن الحوثيون بيانا أسموه “إعلان دستوري” في 6 فبراير، وقاموا بإعلان حل البرلمان، وتمكين “اللجنة الثورية” بقيادة محمد علي الحوثي لقيادة البلاد. لكن الرئيس عبدربه منصور استطاع الفرار من الإقامة الجبرية واتجه إلى عدن في 21 فبراير ومنها تراجع الرئيس هادي عن استقالته في رسالة وجهها للبرلمان وأعلن أن انقلاب الحوثيين غير شرعي. وشدد على “أن جميع القرارات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها”، وهو تاريخ احتلال صنعاء من قبل ميليشيات الحوثيين.
كان أهم ما استقوى به الحوثيون في مشروعهم، هو قناعتهم بأن المجتمع الدولي لن يحرك ساكنا في مواجهتهم العملية على الأرض، لذلك حاولوا أن يسيطروا على كامل الأراضي اليمنية معتمدين على الدعم غير المحدود بالمال والسلاح من إيران وبالأفراد والخبرات الإرهابية من ميليشيات خامنئي في المنطقة، وكذلك على وهم أن تضطر السعودية للقبول بالأمر الواقع، لكن في مارس 2015 أطلق التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة عملية عاصفة الحزم استجابة لطلب من عبدربه منصور بسبب هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن.
اليوم، تحاول ميليشيات الحوثي أن تفرض مشروعها على دول المنطقة عبر خرقها القانون الدولي واستهدافها المدنيين في السعودية والإمارات، وتعتقد أن اكتفاء المجتمع الدولي ببيانات التنديد يعطيها مجالا واسعا للإمعان في أعمالها الإرهابية، وفوق ذلك تنتظر أن يكون مصيرها في اليمن كمصير طالبان في كابول، وهو السماح لها بالحكم والسيطرة تحت غطاء التطرف والإرهاب، فما قامت به واشنطن في أغسطس الماضي، كان سابقة خطيرة ليس من اليسير تجاوز نتائجها الكارثية.
علينا أن نتأمل جيدا، فالغرب يكاد يرسل جيوشه إلى أوكرانيا بسبب مخاوفه من تدخل روسي مزعوم، ولكنه لا يفعل شيئا إزاء الإرهاب الحوثي وهو يضرب السعودية والإمارات، وهو ما يجعل الدول العربية تحت ضغط الواقع الذي يفرض عليها الوقوف صفا واحدا في مواجهة الخطر الحوثي. كما يجعل من حق الرياض وأبوظبي التحالف مع أي طرف إقليمي ودولي يبدي موقفا واضحا في دعمهما أمام التهديدات التي تستهدف أمنهما الوطني والقومي. وأما من يرفعون شعارات الأخوة والصداقة والتضامن والتكامل والتعاون وغيرها، وهم صامتون على جرائم العدوان الحوثي، فإن العلاقات معهم ليست زواجا كاثوليكيا ولا قدرا مكتوبا، وإنما حيث يجد البلدان مصلحتهما تكون وجهة علاقاتهما الإقليمية والدولية.