عباس البخاتي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الشهيد الحكيم أنموذج العالم العامل

هنالك توصيفات عديدة يراد منها تمييز وإيضاح حال حملة العلم،  لكن الشيء الذي من خلاله يتم تمايزهم عن بعضهم،  هو العمل بمقتضى ذلك العلم،  وانسجام العناوين الضاهرة مع الخفايا المبطنة .
لقد ذم القرآن الكريم بعض الأقوام الذين أعطوا من مفاتيح السعادة ما أن عملوا بنضمونها،  لاصبحوا في سعادة لا توصف من الرفاه والسكينة، إلا أنهم اهتموا بحفظ التعليمات والأوامر الإرشادية لفظا،  دون الاكتراث للمضمون،  بل عملوا على تحريفه وتبديله قال تعالى :
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
من هنا يتضح أن مقتضى القاعدة أن العمل بعلم ووعي وإدراك هو ما يجعل الإنسان متميزا عن غيره في أداءه الذي يبتغي منه إنقاذ الثلة المستضعفة،  والوصول بها إلى بر الأمان .
إن ذلك سبب خلود قادة الحضارة الذين نقشت اسماءهم في سجل التاريخ،  وشغلوا مساحة كبيرة في ذاكرة أوطانهم الأمر الذي جعل أبناء تلك الأوطان يشعرون بفخر واعتزاز كون فلان أحد عظماءهم بل يعتبر إحدى مفردات حضارتهم المشرقة .
لقد حوت حضارة بلاد وادي الرافدين كما هائلا من الآثار الشاخصة والأسماء اللامعة التي كان لها الأثر في تغيير مسار التاريخ والأحداث التي شهدتها تلك البقعة .
إن الحديث هنا لم يك بحاجة إلى جهد،  كوننا ليس بمعرض سبر أغوار التاريخ والبحث في تداعيات احداثه كون ذلك يتطلب مزيدا من المصادر ويستدعي كثيرا من التحليلات المحايدة،  بل إن ميدان البحث هنا واقعنا المعاصر ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين .
إن القراءة المنطقية للأحداث تحتم علينا الالتفات إلى أن هذه الحقبة تمثل منعطفا مهما في تاريخ العراق بما شهدته من أحداث وتداعيات .
لا أعتقد أن الأحداث الضاربة في عمق التاريخ هي أكثر حدة وحساسية وخطورة، بحيث تفوق مانحن فيه لارتباط الأحداث بعضها ببعض،  ولوجود عامل التسلسل الزمني،  وحتما أن لكل مرحلة قادتها وشخوصها بغض النظر عن مواقفهم والنتائج المترتبة على تلك المواقف،  ومن أولئك الأفذاذ هو السيد الشهيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه وريث مدرسة العلم العاملة الذي كان انتسابه لأسرة السيد محسن الحكيم أحد العوامل التي ساهمت في بلورة شخصيته وحتمت عليه التصدي وحمل هموم القضية العراقية بالرغم من وجود العديد من العناوين العلمية والتي لا يستهان بانتماءها الأسري على المستوى الديني والاجتماعي .
لقد كان هذا البيت ميدانا لمواكبة الأحداث السياسية التي مر بها العراق،  منذ بدايات القرن الماضي حيث قيام ثورة العشرين ودور والده السيد محسن الحكيم المحوري فيها ومن ثم الاطلاع المكثف للسيد المرجع على جميع تداعيات الوضع العراقي وما تمر به المنطقة،  وبطبيعة الحال أهل البيت أدرى بالذي فيه .
لقد ألقى الانتماء المشرف للسيد الحكيم وتصدي والده إلى زعامة الطائفة بظلاله على حركة السيد الشهيد، ممادفعه للعمل بإخلاص منقطع النظير للقضية العراقية، فلم يك يوما طالبا لمصلحة شخصية مع تمكنه منها،  ولم يحتل الخطاب الطائفي مكانا في ادبياته رغم الثمن الباهض الذي دفعه جراء انتمائه المذهبي .
لقد كان قدس سره عراقيا بامتياز حاملا لمعاناة الوطن من شماله إلى جنوبه ومتحدثا بلغة الأرقام عن تلك المعاناة يناقش ويطرح رؤيته على مختلف المستويات العالمية من أجل إيصال معاناة العراقيين إلى الرأي العام العالمي .