د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
أهل اليمن: بين العنصرية والحكمة الضائعة (2-3)
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان ن وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )(11) الحجرات
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى وحظك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس السن
و لم يسلم أبناء الجنوب العربي من التنابز بالألقاب حيث يعاير أبناء كل منطقة أبناء المناطق الأخرى بأصولهم العرقية وأنسابهم القبلية بل و يسخرون من لهجاتهم !!
و أهل عدن هم الذين تفوقوا على أنفسهم و اجتازوا التنابز بالألقاب وانصهروا في مجتمع مدني حضاري من عدة أصول و أعراق مختلفة بل و طوائف و ديانات و أنا اعني بذلك المجتمع الحضري المتمدن الذي نشأ و توسع في عهد الاحتلال البريطاني لعدن .. و رغم أن سكان عدن الأصليين تاريخيا هم من قبائل لحج و يخضعون سابقا لسلطنتها إلا أن التمدن و القفزة الحضارية التي شهدتها عدن أثناء الحكم البريطاني جعل منها مستعمرة مزدهرة تعايشت فيها مختلف الطوائف و الملل و النحل و من ذلك : الهنود – الصومال - الفرس – الأحباش – اليهود – و الكثير من العائلات اليمنية و خاصة من اليمن الأسفل .. و قد استطاعت تلك الأعراق المختلفة أن تتعايش تحت سقف القانون الانجليزي الصارم حتى أصبح الفارق الثقافي بينها و بين الأرياف الجنوبية الأخرى شاسعا لا يمكن ردم هوته الزمنية والثقافية!!
و ظلت الإمارات الجنوبية منذ مئات السنين تحت حكم السلاطين و الأمراء حسب التقاليد القبلية المتوارثة للحكم فيها .. و ضرب الجهل أطنابه عقودا طويلة في ربوعها !!
ولم تكن في مستوى منحها الاستقلال لتشرذمها وتمزقها ...
و بحكم انغلاق كل إمارة و كل منطقة على جاراتها استدعى الجميع ارثهم القبلي الساخر من بعضهم البعض كالتالي:
سكان عدن:
يصفون أهل الأرياف في الجنوب بالبدو ويسخرون منهم بالقول :
" يا بدوي يا بو القنازع" ويعايرونهم بالتخلف!!
و سكان الأرياف:
يصفون أهل عدن "بعيال عبده" و اندكو.. و التمبل .. و يعايرونهم بأصولهم التي جاءت من خارج الجنوب و أنهم لا ينحدرون من أصول قبلية !!
و أنهم مجرد هنود و صومال و أحباش الخ !!
و أهل شبوة:
يسخرون من لهجة أهل أبين و لحج وأنهم خليط من لحجور والصيادين كما يسخرون من لهجتهم عندما يتكلمون ويقولون :
" جر هكه " !!
و أهل أبين و لحج :
يسخرون من أهل شبوة بأنهم يأكلون الشظي.. و الجراد.. و الدوم , و يسخرون من أهل حضرموت و يلقبونهم بالشحارية !!و أكل اللخم و يصفونهم بالبخل !!
و أهل الجنوب:
يصفون أهل اليمن بالدحابشة !!
و الأمثلة الساخرة المتبادلة بين سكان الجنوب كثيرة , و قد فشل الحزب الاشتراكي القمعي الشمولي من ترويض الشعب في الجنوب و نبذ ثقافة السخرية البينية رغم الأفكار الشيوعية التي جلبها من الخارج فكان مثل من يصب الزيت على النار و أشعل الكراهية و خلق ثقافة الصراع الطبقي في المجتمع فاستدعى قوالب جامدة لتصنيف المجتمع و تقسيمه و تمزيقه إلى مسميات مثل :
الكهنوت- الإقطاع- البرجوازية- طبقة الفلاحين – طبقة العمال – الخ من المسميات التي سرت في الجنوب كالنار في الهشيم بكل خلفياتها القبلية و الطائفية و المناطقية حتى فجرت أحداث 13 يناير 1986م و كان الاصطفاف والقتال على الهوية بين المناطق الجنوبية و هي معروفة للجميع و دمرت الجنوب حتى ضاعت الدولة و الهوية و سلموا الجنوب لقمة سائغة للحكم العشائري المتخلف في صنعاء تحت شعار حالم اسمه : " الوحدة اليمنية" دون أي اعتبار للصراعات التاريخية والمذهبية والقبلية التي عصفت باليمن والجنوب على مر التاريخ !!
و عندما نتأمل العالم من حولنا قد نجد الكثير من السلبيات و لكنها أقل حدة من جاهليتها ، فالهند قارة كاملة في آسيا و تعتبر ثاني دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية و سابع دولة في المساحة و شبه قارة كاملة و فيها 180 ديانة لعل أبرزها:
الهندوسية – البوذية- الجاينية – المسيحية – اليهودية – السيخية- الزرادشتية- الإسلام.
و سكانها مليار و مائتي ألف نسمة , و يتكلمون 24 لغة يقرها الدستور الهندي إلى جانب 1000 لغة أخرى فرعية..
و يعيشون و يتعايشون بسلام و أمان و لا تخلو من الاضطرابات العرقية التي تندلع بين الحين و الآخر .. و رغم ذلك استطاعت الهند أن تقفز إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى و تنافسها اليوم في الكثير من الصناعات كما أصبحت دولة نووية ..
في حين أننا لا زلنا نعيش بعقليات جاهلية .. وعصبية و نستدعي ثارات كليب.. و داحس و الغبراء من أعماق التاريخ !!
أما آن الأوان لطي صفحات الحقد و البغضاء و الكراهية و نعيد بناء بلادنا و نتعايش مع بعضنا البعض و يتقبل كل طرف الآخر دون إقصاء و لا تهميش .. و نتعايش في إطار علاقات أخوية أرضيتها التسامح و سقفها القانون و مرجعها الإسلام؟؟
و ختاما ً أقول : خلقنا من نطفة .. و أصلنا من طين
و أرقى ثيابنا من دودة .. و أشهى طعامنا من حشرة
و مرقدنا حفرة تحت الأرض فلماذا نتكبر.. ؟
ولماذا نسخر من بعضنا البعض ؟؟
د . علوي عمر بن فريد