محمد خلفان يكتب:
الإمارات.. واستدعاء السفير
على كل من كان يعتقد أن دولة الإمارات يمكن أن تتخلى عن دعم القضية الفلسطينية وحق شعبها، لمجرد أنها وقعت على الاتفاقية الإبراهيمية وأقامت علاقات طبيعية مع إسرائيل، أن يتأمل جيداً الدلالات والرسائل التي حملها استدعاء السفير الإسرائيلي لدى أبوظبي أمير حايك مؤخراً لإبلاغه استنكار دولة الإمارات واحتجاجها الشديدين عما يحدث في القدس والمسجد الأقصى من اعتداءات على المدنيين.
توصيل رسالة الاستنكار العربي، وليس الإماراتي فقط، بطريقة مباشرة ودون وسيط، كما كان يحدث في الماضي، يختلف من حيث قوة التأثير، وهو ما ستحلله دوائر صنع القرار في إسرائيل التي لا تترك الأشياء للصدفة، آخذة بالاعتبار تطور العلاقات وحجم التعاون مع الإمارات التي لا تقبل المساس بالحقوق العربية والإنسانية.
انقسم الرأي العام العربي والإسلامي تجاه إقامة الإمارات لعلاقات طبيعية مع إسرائيل إلى فريقين. الفريق الأول (وأنا منهم) رأى في ذلك مثالا إيجابيا يدعو إلى التفاؤل في العمل على إيجاد حل للقضية الفلسطينية، بعيداً عن المتاجرة السياسية وتحميلها شعارات أيديولوجية استفاد منها أصحاب الأجندات، أفرادا وحكومات، ثم تخلوا عنها. وقد بدأت النتائج تظهر، ليس من خلال الموقف الإماراتي فقط، وإنما في تراجع المتاجرين بالقضية، حيث بدأ صوت الباحثين عن حل للقضية الممتدة لأكثر من نصف قرن يرتفع.
أما الفريق الثاني فقد ضلل الرأي العام العربي والإسلامي بأفكاره المتشائمة حول التحرك الإماراتي الباحث عن حلول للقضايا المعقدة، وباعتقاد أصحاب هذا الرأي أن التطبيع مع إسرائيل يعني التخلي عن دعم للقضية الفلسطينية. بينما مواقف الإمارات السياسية والإنسانية الداعمة للقضية أثبتت العكس، ومثلت إحراجا لأصحاب هذا الموقف، فهم لم يفعلوا ولو جزءا بسيطا مما فعلته الإمارات.
الشيء الذي خلص إليه المراقبون الذين تحلوا بالموضوعية وامتلاك قدر من العقلانية، سواء كانوا إماراتيين أو من بلد آخر، أنه رغم سخرية أصحاب الشعارات والمتاجرين بالقضية الفلسطينية الذين يحاولون التقليل من أهمية التحركات الدبلوماسية الإماراتية، فإن هؤلاء يشعرون في أعماقهم بالندم الشديد والانكسار من سوء التقدير للمواقف المبنية على حالة الصراخ والصوت العالي ضد الإمارات. وبات واضحا لهم أن القضايا الاستراتيجية، خاصة تلك التي يتداخل فيها العامل السياسي مع الديني، تحتاج إلى الحكمة والعقلانية الدبلوماسية فهما المحرك الأساسي للتفاهم. لهذا يمكن فهم الثقة التي وضعها العالم في مواقف دولة الإمارات منذ إعلان تأسيسها وحتى اليوم.
قد يقول أحدهم إن استدعاء السفير الإسرائيلي مسألة إجرائية وحق دبلوماسي يمكن أن تقوم به أي دولة في العالم ولا يحتاج إلى التضخيم. أو يتساءلون ماذا يمكن أن يغير استدعاء الإمارات للسفير من سياسة التعنت والصلف الإسرائيلية؟
نظرياً تلك الادعاءات صحيحة، لكنها تبقى كلمة حق يراد بها باطل، فالمؤكد بالنسبة إلي وإلى غيري من الذين يرون أن دولة الإمارات وجدّية مواقفها السياسية، التي أثبتت مؤخراً في العديد من القضايا، ستجبر الحكومة الإسرائيلية على فهم معنى الرسالة الإماراتية – العربية.
قد لا يكون واضحاً بعد ما هي الإجراءات التي ستتخذها الإمارات، ولكن ما هو مؤكد أنها لن تقبل تكرار الأساليب الإسرائيلية، ما لم تكن الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن فهم فحوى التوقيع على الاتفاقية الإبراهيمية وفهم الهدف من تطبيع العلاقات.
أصبح واضحا للجميع أن للإمارات مكانة دبلوماسية بارزة في العالم، وأنها تجيد لعبة العلاقات الدولية وتستطيع التأثير في دوائر صنع القرار. والشيء الذي آمله هنا أن ننظر كعرب إلى الخطوة الإماراتية من خلال ثلاثة أمور:
الأمر الأول، أهمية تغيير أدوات الضغط على الممارسات الإسرائيلية المعتادة ضد الحقوق الفلسطينية والعربية، التي بدأت مكانتها العالمية تتراجع بسبب كثرة انشغالات الدول بقضايا أخرى مثل أوكرانيا وغيرها من القضايا الإنسانية، وأن يكون العرب هم من يدافعون عن قضاياهم دون الاستناد إلى الآخرين، ففي لغة السياسة لا يوجد شيء دون مقابل، خاصة مع دول لديها مشروعاتها في إقليمنا.
الأمر الثاني، أن دولة الإمارات باتت تقدم دروساً في جميع المجالات الحياتية، خاصة في مجال استرجاع حقوقنا العربية المشروعة، بالاعتماد على أساليب القوة الحديثة، وهي خليط من القوة الخشنة والناعمة، أثبتت كفاءتها وتأثيرها في حسم الكثير من المواقف. وأعتقد أن هذا هو ما تعمل له إسرائيل حسابا، أكثر من الصراخ والخطابات الفارغة.
الأمر الثالث والأخير، أن ينظر الفلسطينيون إلى ما تقوم به الإمارات من خطوات بشيء من الموضوعية والمنطق، وتقييم ذلك بعيداً عن الغضب والتعصب الأيديولوجي والصوت العالي الذي لم نجن منه غير الخسائر، فالوعي بالمخططات الإقليمية لجوارنا الجغرافي يحتاج منا معرفة التحرك لدعم قضية مثلت شرعية ومكسبا لأصحاب الأجندات والمشروعات في الإقليم.