فاضل المناصفة يكتب:
تركيا تتصالح مع العرب وتسقط ورقة الإخوان
لم تأت زيارة الرئيسي التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية على حين غفلة، لقد مهدت لها زيارات متبادلة بين أبوظبي وأنقرة، ما بين نهاية 2021 وبداية السنة الحالية، حاولت من خلالها تركيا فتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية مع دول الخليج عبر أبوظبي، الوسيط الذي أزال جبلا جليديا كان يحول بين الرياض وأنقرة.
رغبة تركيا في فتح صفحة جديدة مع دول الخليج قراءة سليمة وخطوة ضرورية لأردوغان، بعد أن أدرك أن التغيرات الإقليمية التي حصلت في المنطقة تحتاج لإعادة تموقع أنقرة وصياغة سياسة خارجية جديدة تكون فيها الحاجة الاقتصادية أولوية تركيا، التي لم تمر جائحة كورونا على اقتصادها مرور الكرام، بل كانت قاب قوسين أو أدنى من دمار يعود بالليرة والاقتصاد التركي إلى السنوات العجاف.
تركيا اليوم تعود إلى حجمها الطبيعي في المنطقة، بعد أن تصورت أن بإمكانها ممارسة مهنة شرطي الشرق الأوسط، وأدركت أن العالم بعد الجائحة يحتاج إلى إعادة قراءة المشهد وفق مقتضيات المصلحة الاقتصادية للبلاد، لا بأحلام استعادة المجد العثماني على المنطقة؛ في مدة زمنية قصيرة اقتربت تركيا من أبوظبي، وها هي تقترب من الرياض، وقريبا ستقترب من القاهرة، وربما ستحاول أن تجد مخرجا من المأزق السوري من خلال مصالحة مع دمشق، لتعيد بذلك ترتيب علاقاتها مع العالم العربي على أساس المصلحة المشتركة والتكتل الاقتصادي الذي تفرضه التطورات التي حصلت وتحصل مع غزو روسيا لأوكرانيا.
الوضع اختلف أيضا مع إسرائيل؛ في شهر مايو من العام الماضي قامت وسائل الإعلام التركية الرسمية والخاصة بإحياء الذكرى الحادية عشرة لحادثة سفينة مرمرة واصفة إياها بالجريمة ومطالبة بمحاسبة إسرائيل على قتلها 10 أبرياء من طاقم السفينة، ولكن زيارة الرئيس الإسرائيلي الشهر الماضي كشفت أن الاتصالات بين الدولتين قد عادت إلى سابق عهدها وأن تركيا لا تمانع في عودة تطبيع العلاقات.
ليس هذا فحسب، بل عرفت أنقرة تحولا جوهريا في توصيفها للمشهد الفلسطيني، خاصة بعد أن تأكد ما كان يشاع عن طلاق بينها وبين حماس ومنع قيادات الحركة من العودة إلى تركيا، مع منح فرصة لباقي القيادات الموجودة على أراضيها لترتيب شؤون الحركة والمغادرة دون طرد حفاظا على سمعة تركيا في فلسطين إلى حد ما.
وتأكدت الأخبار بما لا يدع مجالا للشك حين استنكرت تركيا عملية بني براك في تل أبيب، مما اضطر المتحدث باسم حماس لاستهجان رد الفعل التركي على العملية، رغم أنه يعلم تماما أن تركيا لم تطلق بيانها للاستنكار فحسب، بل هو رسالة واضحة وصريحة بأن أنقرة لن تقبل بعد اليوم بوجود شخصيات ترحب بأطراف تتبنى ”أعمالا إرهابية” ضد “شركائها”.
وعلى خلفية التصعيد الذي حصل في القدس مؤخرا، اختارت تركيا مفردات بيانها بعناية فائقة، ووقفت على مسافة واحدة من طرفي الصراع، وطالبت بعدم السماح بالاستفزازات في أماكن العبادة. وكأنها بذلك تريد تحميل المتطرفين اليهود مسؤولية ما حدث دون توجيه اللوم إلى الحكومة الإسرائيلية. في حين أدانت وبشدة العام الماضي ما جرى في الشيخ جراح وأسفر عن مقتل “أبرياء” في غزة.
يفهم من كل هذه التحولات في الموقف السياسي التركي تجاه العديد من القضايا على أنها محاولة من أنقرة للتكيف مع المحيط الإقليمي، وتفكير براغماتي من أردوغان يحفظ مصالح بلاده، ويسكت الأصوات المعارضة التي تتهمه بإدخال تركيا في عزلة إقليمية.
ستكون هناك زيارة مرتقبة إلى مصر، وستلعب تركيا دورا غير مباشر في دعم بشار الأسد، من خلال دعم مقترح عودته إلى الجامعة العربية. ولا يستبعد أن تكون حركة حماس والإخوان في تركيا الورقة التي
سقطت واستهلكت بما فيه الكفاية، وستكون قريبا خارج المعادلة التركية الجديدة.