ثامر الحجامي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الخيمة

   إعتادت العرب أن تسكن في خيام، بسبب طبيعة حياتهم المتنقلة، لذلك كانوا حريصين على اقتناء أفضلها، من التي تمتاز بالمتانة وقوة الحبال وجودة الأعمدة، وكانت خيمة شيخ العشيرة من أفضل الخيم وأبرزها، فهي المكان الذي يجمعهم ومصدر قرارهم، ومركز قوتهم الذي يدافعون عنه إذا ما تعرضوا الى غزوات.

   كذلك بعض البشر؛ هم خيمة على أهلهم، مركز قوتهم ومصدر قرارهم، والبيت الكبير الذي يجمعهم، يسعون الى الخير ووحدة الكلمة ولم الشمل، والسيف الذي يدافع عنهم اذا ما تعرضوا الى الغزوات، والرأي السديد الذي يشير عليهم عند إختلاف الآراء، والحكمة في القرار حين تشتد الأزمات، وتلك مواصفات القادة الأفذاذ الذين نقشوا أسمائهم بأحرف من نور ومداد من دماء.

   من أولئك الأفذاذ الذين كان لهم دور فاعل في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي، وخط له مسيرة مهمة في سير الأحداث التاريخية في العراق الحديث هو السيد عبد العزيز نجل السيد محسن الحكيم، وكان له دور مفصيلي في الحياة السياسية العراقية وصاحب القرار الأبرز من عام 2003 حتى وفاته عام 2009، فضلا عن أدواره الكبيرة منذ سبعينيات القرن الماضي، وترك غيابه شرخا كبيرا في شكل العملية السياسية التي تغيرت معالمها بعد غيابه، وما زلنا نعيش تداعياتها حتى يومنا هذا.

   فالسيد عبد العزيز الحكيم عاش في بيت المرجع السيد محسن الحكيم، صاحب المواقف السياسية والاجتماعية البارزة، وعاصر القضايا الكبرى في العراق والبلدان العربية، والتحولات السياسية التي حدثت فيها، فأثرت في معرفته واسلوب تعامله مع الأحداث، وكان من الشخصيات البارزة التي تصدت لنظام البعث الفاشي برفقة اخيه السيد محمد باقر الحكيم وأستاذه السيد محمد باقر الصدر، ذلك التصدي الذي حتم عليه أن يهاجر العراق ويعيش في بلاد الغربة، ويجاهد من أجل تحرير العراق من سلطة نظام إستبدادي، أهلك الحرث والنسل.

   لكن الدور الأبرز والواضح في مسيرة السيد الحكيم، هو بعد سقوط النظام الفاشي عام 2003 وإحتلال العراق من قبل القوات الدولية، حيث كان حريصا على إستعادة سيادة العراق وإدارته من قبل العراقيين، وبذل جهودا كبيرة في إخراج العراق من طائلة البند السابع، وإقامة حكومة منتخبة تتولى أدارة شؤون العراق بعيدا عن الوصاية الدولية، والسعي الى تدريب وتهيئة القوات الأمنية وتمكينها من إدارة الملف الامني، وعقد اتفاقية أمنية تمهد لخروج القوات المحتلة، ومن أجل ذلك تنقل في رحلات مكوكية بين الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من مرة.

    كان المظلة الكبيرة التي تجتمع تحتها القوى العراقية، وميزان العلاقة بين مختلف المكونات السياسية في العراق، يستند في ذلك الى علاقته الشخصية مع أبرز قادة المكونات الأخرى سواء الكردية أو السنية منها.. أما على المستوى الشيعي فكان السيد الحكيم هو الخيمة التي تجتمع فيها كافة القوى الشيعية ومركز قرارها، على الرغم من إختلاف رغباتها وطموحاتها على الصعيد السياسي ومستوى التمثيل الحكومي، فكان بحق مشروع الوحدة الذي جمع العراقيين، وأطفأ نارا كادت تحرق الاخضر واليابس بعد أحداث الفتنة الطائفية عام 2006.

  لا يمكن أن نختصر مسيرة السيد الحكيم لكنه كان الزعيم الذي سخر السياسة في خدمة الوطن، والخيمة المتماسكة ذات الحبال القوية والأوتاد الصلبة المغروسة في أرض العراق، لم يساوم أو يهرول خلف منصب أو مكسب شخصي، بل كان صوت العراق ونبض الشعب والمعبر عن تطلعاته وطموحاته، ومركزا لقرار الوحدة ولم الشمل، ورمزا للإيثار والتواضع ونكران الذات.