فاضل المناصفة يكتب:
الهولوكوست السوري 2013 تحت إمضاء الأسد
حرك تقرير الغارديان الأخير حول الهولوكوست البعثي في حي التضامن بدمشق مشاعر الملايين من البشر الذين تأثروا بالفيديو الموثق لإعدام جماعي لمجموعة من الأشخاص، ووصف المشهد بتفاصيله المروعة مدى وحشية نظام الأسد الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء من أجل الحفاظ على ملكيته لسوريا وإن اقتضى الأمر إحراق الحجر والبشر والشجر.
قد يكون الفيديو الصادم الذي كشف تفاصيل جريمة شيطانية في سنة 2013 الشجرة التي تخفي غابة كبيرة من الجرائم المماثلة، كما أعاد إلى الأذهان الحرب السورية بكل حيثياتها، بعد أن تساقطت جرائم الأسد بالتقادم وأفلت من عقاب محكمة الجنايات الدولية، وبعد أن أصبحت سوريا قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى جامعة الدول العربية، الأمر الذي بعث الشكوك حول توقيت نشر التقرير وعلاقته بالتطورات الحاصلة في الشرق الأوسط، وكأن هناك جهة تريد تصفية حساباتها مع “المملكة” السورية قبل أن تتطور الأحداث وتميل في كفة الأسد، الذي يقترب يوما بعد يوم من الخروج من العزلة الإقليمية بشكل رسمي.
لقد حبس الفيديو الصادم أنفاس الملايين من السوريين الذين يواجهون خطر العودة إلى “مملكة” الأسد التي لا يُرحم فيها أحد، كما فتح الباب واسعا أمام العديد من التساؤلات حول مصير العديد من حالات الاختفاء القسري وعدد المقابر الجماعية التي أحصتها الحرب، وعن إفلات المجرمين التابعين لميليشيا الأسد الدموية من العقاب، وقيمة المكافآت التي تعهد لهم النظام بتقديمها على حسب الكم والنوع من الوحشية كبرهان ولائهم للمنظومة الفاسدة التي دمرت كل شيء من أجل أن تستمر في السيطرة على دولة نهشها الفساد نهشا، حتى انفجر سكانها في وجه حزب البعث في ثورة عفوية اعتبرها النظام خروجا عن الحاكم استحق فيها المطالبون بالحرية التصفية والتهجير والإبادة الجماعية في أخطر بقعة على وجه الأرض بعد كوريا الشمالية.
لم يترك نظام الأسد وسيلة إبادة إلا واستعملها ضد شعبه، ولم يدع أي مجال لتصديق روايته التي تحدثت مرارا وتكرارا عن مؤامرة كونية أحيكت لإسقاط سوريا وسميت بالربيع العربي، كما لم يترك أي فرصة تسمح له بالدفاع عن أحقيته في حكم سوريا، لقد ترك أبناء البلد أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في الشتات والمعاناة من الغربة أو العودة وتسليم الرقاب في يد نظام أقل ما يقال عنه أنه دموي بامتياز، وله تاريخ حافل بالجرائم ومتوارث من الأب الذي كان مسؤولا عن مجزرتي حلب في 1980 وحماة في 1982 اللتين كانت دوافعهما زرع منظومة الرعب في نفوس السوريين لكي لا تسول لهم أنفسهم في التفكير بالحرية أو قلب نظام الحكم، وما أن جاء الربيع العربي زال مفعول المجازر واستدعى هذا من الأسد أن يعيد الكرة للحفاظ على ملك أبيه.
إن تقرير الغارديان البريطانية يستدعي فتح دفاتر الماضي والتحقيق مجددا في عمليات الإعدام الجماعي التي حصلت، وربما تستمر في الحصول، بعيدا عن عدسات الكاميرا بعد أن أصبح الملف السوري لا يستهوي الإعلام الغربي، وبعد أن أعاد النظام السوري بعث نفسه وأصبح من الصعب جدا الحصول على تقارير ميدانية قوية من الداخل السوري، خاصة وأن أجهزة المخابرات السورية أصبحت تعمل تحت إشراف روسيا.
لقد نجح التقرير إلى حد ما في تذكيرنا بالثورة السورية والتأكيد على أن نظام الأسد لا يستحق أن يعامل كدولة وإنما كمنظمة إرهابية شأنها شأن داعش وبوكو حرام، ولكن التقرير ضاعف المخاوف حول المصير المجهول الذي سيواجه عشرات الآلاف من السوريين بعد عودتهم إلى الوطن الذي اغتصبته عائلة الأسد، وهو ما عبر عنه الآلاف من السوريين المغتربين على وسائل التواصل الاجتماعي، كما وضع التقرير العديد من الدول المستضيفة للسوريين في إحراج كبير: إما إطالة مدة إقامة السوريين وتحمل العبء، أو تسليمهم لمصير مجهول في ظل عدم توفر أي ضمانات من دمشق بعدم متابعة المعارضين وتعريض حياتهم للخطر وإن كنت أجزم بأن الأسد لا يرغب في عودة أحد ما دام السوريون في الداخل عبئا على مملكته في الأساس التي لن تستطيع أن توفر لهم ربطة خبز أو أسطوانة غاز.