سلام محمد العبودي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الشعبانية بين الجريمة والتسقيط
هيجان شعبي رافق خروج القوات العراقية, بعد دخول قوات التحالف عام 1991, إلى الكويت, تمخض عنها انتفاضة شعبية, بدأت بذرتها من البصرة, لتمتد سريعاً مجتاحة جنوب العراق, وصولا لمحافظات الفرات الأوسط, حتى باتت على مقربة من العاصمة بغداد.
يومٌ واحد فقط في البصرة, كان كفيلا بسقوط البصرة بيد الشعب, الذي خرج هاتفا بسقوط نظام البعث, الذي أدخل العراق في حروب تمتاز بالتهور, دَفع فيها الشعب العراقي دماءً غالية, وحطم قوة العراق العسكرية, وتسببت بانهيار الاقتصاد, آلافٌ من عوائل المراتب والضباط, دخلوا البصرة ليعرفوا مصير أبنائهم, وسط دخان آبار النفط, التي قام صدام بإحراقها, ما دعا تلك الجموع الوافدة المشحونة, للانتفاض مع أهالي البصرة, ليتجهوا إلى الدوائر الحكومية, ومعسكرات الجيش والسيطرة عليها, كان ذلك في 1/3/1991.
لم تكن محافظة ميسان, بعيدة عن منال المنتفضين, فسرعان ما وصلوا لها, ليهب سكانها للمشاركة وتم لهم ذلك, وسط هروب جماعي, لأعوان وجلاوزة حزب البعث المجرم, الناصرية السماوة والديوانية, لم تنتظر طويلاً فانضمت للانتفاضة, كربلاء والنجف التحقت بالانتفاضة يوم 3/3/1991, لتصل جموع المنتفضين الى واسط والحلة, وكأنهم على موعد فرح, ترافق مع شهر شعبان, للخلاص من نظام البعث, الذي أذاق الشعب العراقي الأمرين.
لم تكن المعارضة العراقية في الخارج, مستعدة لدخول العراق, إلا المجلس الأعلى للثورة الاسلامية, بزعامة السيد محمد باقر الحكيم, الذي دخل بما لديه من ثقل عسكري, ليستهل العراقيون أن آل الحكيم, لم يتركوهم لقمة سائغة لشتات حزب البعث, إلا أن دول الخليج, شعرت بخطر داهم يهددهم, لتطلب من أمريكا إسقاط الانتفاضة, والسماج لقوات صدام, من الحرس الجمهوري, باستعمال كافة الأسلحة, عدا الطائرات المقاتلة, مستثنية الطائرات العسكرية المروحية.
بدأت القطعات التابعة للحرس الجمهوري, الهاربة من الكويت, بالتجمع لتضرب كل تجمعٍ شعبي, وبدأت معارك إجهاض الانتفاضة, فدخلت الى العمارة والبصرة, والناصرية بعد قتال استبسل به المنتفضين, مكبدين جيش الطاغية خسائر فادحة, ولم يسلموا مدنهم بسهولة, فدخلت قوات الحرس الجمهوري الخاص, الى كربلاء المقدسة, بقيادة المجرم حسين كامل, الذي رفع شعار" لا شيعة بعد اليوم" ليصل إجرامه لتهديم الدور المحيطة بالمراقد, وضرب مرقدي الحسين والعباس عليهم السلام.
حسين كامل ذلك العتل الزنيم المجرم, لم يكتفي بسقوط كربلاء, بل عمد لمجزرة قل مثيلها في الخسة, من قتل المقاومين بالجملة, وهدم الدور على ساكنيها, فأضاف لها أن أعطى عفواً, لمن غادر المدينة, وما أن عادوا قام, بإعدامهم أمام عيون ذويهم, وفي المناطق الريفية, تم ربط الشباب على أشجار النخيل وقتلهم.
قام نظام صدام بكارثة بيئية, إمعاناً منه بالإجرام, ضد سكنة الأهوار, فقام بتجفيف الأهوار, بعد تحويله لمسار نهري دجلة والفرات, بعيدا عن الأهوار ليسجل أكبر كارثة كبرى, ستبقى في ذاكرة الانسانية, بل هي أسوء كارثة بيئية, سببها إنسانٌ على وجه البسيطة.
هبت محافظة السليمانية يوم 5/3, لتلتحق أربيل يوم11/3, ثم تبعتها باقي المدن الشمالية, وقد أوغل نظام البعث, كعادته في الإجرام, فعمد وعن طريق المدفعية, دون تمييز بين مسلح أو غير مسلح؛ فلا فرق عنده بين شباب وطفل أو شيخ وامرأة, ليذهب ضحايا كثر, من خلال القصف المدفعي, وطائرات الهليكوبتر وحقول الألغام, التي زُرعت أثناء الحرب ضد إيران.
أصدر مجلس الأمن, في منتصف شهر آذار, قراراً تحت رقم( 688), بإنشاء منطقة آمنة للأكراد, سميت بمنطقة كردستان, وحددت خط العرض 36, وطردت القوات المهاجمة, ليبقى الوسط والجنوب, تحت نقمة ذلك النظام المجرم, ليبدأ حملة تصفية, بمقابر جماعية لم يعثر, على رفات كثيراً منهم لحد الآن.
إن آثار الانتقام الصدامي, من الفرات الأوسط والجنوب العراقي, تجاوز كل الحدود, فقد كشف عن إحدى المقابر, في المحاويل تحوي عدداً مهول, فتلك المقبرة لوحدها, ضمت ما يقارب 15000 جثمان, بين شاب وعجوز وطفل وامرأة, ناهيك عن الرضوانية وغيرها.
كل ما ذُكر ويذكر, شيء يسير مما جرى في الانتفاضة الشعبانية؛ يحاول بعض المنتفعين من النظام الصدامي, طمس معالم الإجرام, متهمين الشيعة فقط بالانتفاضة, على أنهم عملاء مجرمين, مزينين جرائم حزب البعث, على أنها عملية تحرير, فأي تحرير وطن من شعبه؟