د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
نذوب في الغيب وحياتنا كلها انكسارات
نحن شعوب نفاخر على الدوام بأننا " خير الأمم بينما واقع الحال يقول اننا أضعف الأمم فوضعنا بائس تعيس والأكثر تخلفاً وهواناً بين شعوب الأرض ونحاول تغطية ضعفنا وتخلفنا الحضاري باجترار تاريخنا المشرق ابان الخلافتين الأموية والعباسية وحتى الأندلسية وكلها سادت ثم بادت !!
اما اليوم فقد أفلسنا حضاريا والأغرب من ذلك كله أننا ما زلنا نزهو ونتفاخر بما نحن عليه اليوم من أعراف وأسلاف وعادات وتقاليد ونتباهى بل ونبتهـج بأنظمتنا العشائرية والقبلية والطائفية والعرقية والأحادية الفكرية وكلها تنتمي إلى التراث الموروث ، ووجدنا أنفسنا نبتعد عن ما أنزل الله علينا في كتابه الكريم وأصبحنا نسير خلف قيادات وأحزاب البعض منها تدعي الحداثة والعصرنة وهي تنقل الينا نفايات العالم وتجاربه التي فشلت في مواطنها الأصلية وكانت سببا في تمزيقنا وقتلنا وتشريدنا جنوبا باسم الاشتراكية العلمية والبعض الآخر من تلك الأحزاب موجودة شمالا تتغذى من سلة مهملات التاريخ من خلال إعادة إنتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والتكــرار والاجترار وترمي بنا في هوة سحيقة بلا قرار تشكل منظومة التخلف الكبرى لبلادنا يستعصي علينا التعامل مع العلم .. ولا نكترث بالتجربة ولا نعي الاستقراء أو الاستنتاج .. بل لا نؤمن بإرجاع الأحداث إلى مسبباتها الواقعية .. نحن لا نفكر .. نعم نحب ونكره ونعمل وبإصرار وثقة مطلقة لتجميل تاريخ يستحيل تجميله أما إذا فكـرنا – وهـذا استثناء – فإنما نصوغ تفكيرنا في (( لغة محنطة )) لا ترتدي سوى أكفان الماضـي .. ولا نصرخ إلا بصوت (( المنتصر التاريخي ، بطل كل الأزمان )) .. مع إن واقع حالنا يقول إننا أمة مهزومة تحارب طواحين الهواء !!
وهي تنغمس حتى ناصيتها في ذهول حضاري رهيب .. لأننا لا نعترف بأخطائنا البتة حيث نقرأ تاريخنا بطريقة طاووسية متغطرسة وإذا ظهر خلل في هذه المسيرة العظيمة فمرجعه إلى مؤامرات الآخر والتخوين الرخيص والبدع والكفر والشعوبية ما زلنا نحملها على ظهورنا دون أن نضرب أحدا على قفاه ولو بمؤامرة نحن صنعناها!!
فإلى أين يريـد أن ينتهي بنا هؤلاء المتلاعبون من تلك الأحزاب .. ونحن نحيى في قاع الأمم قاطبة ؟ .. نحن وبخلاف العالم نذوب في الغيب .. وننتمي إلى التاريخ وننكر المستقبل وحياتنا كلها انكساريات وما زلنا ننظر إلى قيم التسامح والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والمعتقد والعرق على إنها قيم ضعف وبلاهة وهوان وانكسار !!
ان الحداثة في العالم المتقدم حققت طفرة هائلة عن فترة العصور الوسطى .. وانجلت عن تطور نوعي كبير تمخضت عنه (( حياة اجتماعية مترفة تصوغها أنظمة قانونية ونظريات معرفية تتقاطع بالكامل عما نعيشه نحن العرب والمسلمون ))
فأين نحن من الحداثة التي تضع ثقافتنا وكل الثقافات الأخرى في الميزان ؟ ونختار منها ما يتماهى مع ثوابتنا وقيمنا الاصيلة ونتجاوز الذين يعيشون في الماضي وينامون في قبوره !!
وختاما نقول : إن التكيف الإيجابي يليق بمن يؤمنون ويعملون ضمن دينامية تاريخية وعصرية متوازنة.. واستجابة إيجابية للتحدي الذي تطرحه الحداثة في هذا العصر مع الحفاظ على قيمنا الدينية والأخلاقية !!
د . علوي عمر بن فريد