د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأمم الحية من السقوط الى النهوض
حينما نهض الشعب الألماني أسقط جدار برلين وأنهى الانقسام ، فما صنعه أولاً أزال ما صنعته الهزيمة وما فرضه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية عندما قاموا بتجزئة المانيا إلى نصفين، ولكنها نهضت اليوم وتوحدت وصارت المانيا أمة يشار لها بالبنان كقوة اقتصادية عظمى تسعى للبناء والتعمير !!
وحينما انهار الاتحاد السوفييتي بعد أن جرى تفكيكه بمساعدة عملاء روس متنفذين في الحزب الشيوعي السوفييتي وفي المخابرات السوفييتية ، أدرك الروس أن النخب الغربية كاذبة ، كلها خداع ونفاق ، لن تعمل على تطوير روسيا، ولن تسمح لها ببناء اقتصادها ، بل أخذت تعمل على نهب تلك البلاد وتخريبها ، فدمرّوا مسيرة 70 عاماً من المعرفة والبناء والعطاء!!
وبعد عقدين من العمل الواعي البناء ها هي روسيا تتمكن بفعل المخلصين فيها من استعادة هيبتها ومنعتها وأعادت بناء القوة التي كان يملكها الاتحاد السوفييتي قبل الانهيار ، ونجحوا في ضمان أمن وموارد روسيا، وفي إعداد مجتمع تتكامل فيه السياسة والاقتصاد والقوّة والأخلاق ، فأنهوا بذلك لعبة العالم الغربي الذي يسعى دوماً لنهب خيرات الأمم الأخرى وتدمير بناها التحتية ليبقيها في الحضيض ، وبناء حضارتهم على أنقاضها وعلى ويلات الأمم الأخرى ومصائبها ، كما فعل وما زال يفعل ضد دول عالمنا العربي والإسلامي التي مع الأسف الشديد استكانت لهيمنته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولغاية الآن ، وسلمت أمرها له ووضعت كل بيضها في سلاله ورغم ما يصنعه من تحكم في مواردها والتدخل في شؤونها واحتضانه للمشروع الصهيوني وظل ينهب خيراتها وحال دون ارتباطها بغيره حتى لا تقوم لها قائمة فشعوبنا مكتوب عليها الجوع والتعاسة والشقاء ، لا تملك أمناً غذائياً ولا أماناً اجتماعياً ولا الاستقرار الذي نحلم به أسوة بكل شعوب الأرض ، فنتحمل فوق ما لا تطيقه الجبال ، والخلاف والاختلاف هو سيد الموقف بين كياناتنا ، لدرجة أن البعض يدفع له عن طيب خاطر ، وكل من ينبت له ريش ويحاول الطيران يقوم بقص أجنحته وتدمير بناه التحتية كما فعل في العراق وليبيا وسوريا والبقية تأتي ، ليبقى بصفة دائمة بلا أجنحة ولا يقوى على الحراك كما زرع الفتن والفرقة والصراع الداخلي بين مختلف أقطاره !!
فهم يحاربوننا بمعتقدنا ، بعاداتنا ، بتقاليدنا ، بلغتنا ، بثقافتنا ، بتطورنا العلمي والارتقاء بنهجنا الفكري .
ان استعباد امه ما والاستيلاء على أراضيها وثرواتها يتطلب أولا إنهاك قواها العسكرية والاقتصادية لغرض تسهيل العملية وتقليص تكاليفها، وهذا يتم عادة من خلال إثارة الفتن الطائفية
والطبقات المكونة لهذه الامه وإشعال حروب داخلية وخارجية تنتهى بإنهاك قوى كافة الأطراف وبمثال تطبيقي وشاهد حي على كل هذا فقد قدم عراب المحافظين الجدد برنارد لويس، قبل عدة عقود مضت مشروعه التقسيمي للجغرافيا والديمغرافيا العربية، ليصبح مشروعه هذا بمثابة عقيدة سياسية 'للمحافظين الجدد' بأمريكا ,,فيما يخص السياسات الأميركية في البلدان الاسلامية والعربية، لاسيما المشرقية منها,, فلقد وضع 'برنارد لويس' مشروعه بتفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، بصوره محكمه وبعد دراسات طويلة والدليل على ذلك هي الخرائط التي اوضح فيها التجمعات العرقية والمذهبية والدينية والتي على اساسها سيتم التقسيم وسلم المشروع إلى بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر والذى قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع الولايات المتحدة 'تصحيح حد ود سايكس- بيكو' يقول 'لويس في احد مؤلفاته :
لا مانع عند إعادة احتلالنا للعرب هو أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة علي الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط علي قياداتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة - ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية " الفاسدة "!!
ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمر حضارتها .
وحول نوايا هذا المشروع وتوظيف نظرية 'فرق تسد 'فيه وحقيقة أن هذا المشروع الان هو قيد التنفيذ ويتم التمهيد لفصوله واهدفه المستقبلية بشكل متسارع وأن العمل فيه يسير ألان بشكل واسع وقد تم فعلا خلق بيئة ديمغرافية وبؤر جغرافية على ارض الواقع لإقامة هذا المشروع على ارض الواقع في الوطن العربي وتتمحور هذه الاهداف حول الرؤية المستقبلية لتقسيم المنطقة العربية وما هذا الربيع العربي المزعوم الى جزء من هذا المخطط فهل نستطيع كشعوب عربيه تدارك اخطائنا والاعتراف بحقيقة ان هذا المشروع هو امر واقع ويجب التصدي له واننا جميعا قد اخذتنا العزة بالآثم فكنا للأسف ممهدين لهذا المشروع الذي اصبح اليوم خطرا وطوفان قاتل يقتل كل من بطريقه ، فهل من حل يكون أساسه الاجماع على كلمة واحده وهي رفض هذا المشروع ورفض كل نظريات التفريق والتقسيم لمواجهة هذا الخطر، والسؤال المطروح على أمتنا هو :
هل سنكون نحن العرب في قادم الأيام بين هذه الأمم مثل المانيا وروسيا وننهض بعد السقوط كباقي الأمم الحية ؟!!
د . علوي عمر بن فريد