طارق الحميد يكتب:
الآن الأوروبيون هم «روبرت» للإيرانيين
منذ وصول الرئيس جو بايدن لسدة الرئاسة، واندفاع إدارته لإحياء الاتفاق النووي مع طهران، كانت الانتقادات توجه للمبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي، داخلياً وخارجياً بسبب اندفاعه من أجل إنجاز اتفاق مع إيران، وبأي ثمن.
اليوم هناك تباين بالخطاب حول الاتفاق النووي، وتحديداً بين المبعوث مالي، والفرنسيين، الذين يمثلون الاندفاع الأوروبي لإنجاز اتفاق مع طهران، وبشكل متسرع، وهو ما نتج عنه فشل مفاوضات الدوحة.
أمس الثلاثاء، وبمؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي مع إيران: «علينا الدفاع عن هذا الاتفاق ومراعاة مصالح أصدقائنا بالمنطقة، وفي مقدمتهم إسرائيل».
بينما قال، أمس الثلاثاء، المبعوث مالي، في مقابلة مع الإذاعة الوطنية بواشنطن إن الإيرانيين «أضافوا، حتى في الدوحة، مطالب أعتقد أن أي شخص ينظر إليها سيرى أن لا علاقة لها بالاتفاق النووي. أمور كانوا يريدونها في الماضي».
وقال مالي: «النقاش المطلوب حقيقة الآن ليس بيننا وبين إيران، وإن كنا مستعدين لذلك. بل بين إيران ونفسها. فهي تحتاج للتوصل إلى قرار بشأن ما إذا كانت مستعدة الآن للعودة إلى الامتثال للاتفاق».
وبالطبع لا يمكن الاعتماد تماماً على موقف مالي المنحاز أصلاً للتسرع بالاتفاق النووي مع إيران، وإن كان يقول بمقابلته، أمس الثلاثاء، إن طهران تقترب بكثير من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لتصنيع قنبلة نووية. إلا أننا هنا أمام مفارقة مهمة.
والمفارقة أن الأوروبيين، أو قل الفرنسيين، أصبحوا الآن هم روبرت مالي القديم المتساهل، والراغب بإنجاز اتفاق نووي مع إيران، وبأي ثمن، ودون مراعاة ما يقلق المنطقة، بينما مالي نفسه بات يتحدث بحذر في واشنطن عن الملف النووي.
وحذر مالي الآن سببه واضح، وهو الصعوبات التي تواجهها الإدارة الأميركية بالقضايا الداخلية في الولايات المتحدة، واقتراب الانتخابات النصفية، وبالتالي عدم مقدرة الرئيس بايدن على تقديم تنازلات لإيران الآن.
بينما الاندفاع الأوروبي، وبقيادة فرنسية، لا يمثل أي ثقل لإنجاز اتفاق نووي مع إيران حيث إن أوروبا مجتمعة لا تستطيع التعهد بالتزام أي إدارة أميركية جديدة بأي اتفاق مع طهران، ناهيك عن أوروبا مجتمعة لا يمكن أن تقنع واشنطن برفع العقوبات عن إيران.
وعليه فإن الدور الأوروبي هذا، وبقيادة فرنسية، لن يؤدي إلا لتعقيد الأمور، ومساعدة إيران على التلاعب بالملف النووي، مما قد يقود إلى إعلان إيران امتلاكها القنبلة النووية، وبطريقة تفاجئ العالم، وتطلق سباق تسلح كارثي بالمنطقة.
الدور الفرنسي هذا، في حال حدث، سيكون الشوط الثاني في هز المنطقة، حيث كان الشوط الأول هو نزول آية الله الخميني من الطائرة الفرنسية في إيران، والثاني سيكون إعلان طهران عن قنبلتها النووية.
الموقف الأوروبي، والخطاب الفرنسي تحديداً، لا يؤدي إلى حلول، بقدر ما أنه يشجع إيران على التمادي، ومواصلة العدوانية، مما يجعل المنطقة تقترب أكثر إلى حرب مفتوحة.
*يتوقف المقال إلى ما بعد عيد الأضحى وكل عام وأنتم بخير.