د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

أحلام مؤجلة لكنها ليست مستحيلة ! (1-2)

عدن

تفتحت عيناي على أشعة شمسك الذهبية يا وطني وأنا لازلت رضيعا في حجر أمي أنام على ظهري وتداعب نسمات الصباح الباكر جفوني وكنت أحاول النهوض مبكرا لأرى جمالك يا وطني ومرت الشهور فبدأت أحبو ثم أجلس واشتد عودي وسرت على قدمي في المنزل ثم خرجت منه وأسرتني الطبيعة الخلابة المحيطة ببيتنا الصغير وكانت تخطف الألباب والأفئدة.. الجبال الشاهقة تحيط بقريتنا كالسوار بالمعصم تكسوها شتى أنواع الأشجار البرية نابتة مغروسة في صخور وشواهق الجبال التي تنهمر منها الشلالات في موسم الأمطار صيفا في تمازج صنعه الخالق المبدع  وتعرفت على أترابي من أطفال الحي وبدأنا نلعب ونلهو بجوار منازلنا ثم ننزل إلى بطن وادي مربون  نلعب والبراءة تنضح من جباهنا نتسابق على رمال الوادي الذهبية في الصيف نلهو تحت أشجار السدر العالية الخضراء التي تتدلى من أطراف  أغصانها أعشاش الطيور الصفراء محبوكة  بشكل هندسي عجيب ، كما تجني أسراب النحل من أزهار العلوب رحيقها العطري الذي تفرزه في خلايا النحل المنتشرة في كل بيوت القرية وكان وادي  يشبم ينتج أجود أنواع العسل "البغية" ويأتي في المرتبة الأولى ويأتي بعده " المروة " ثانيا .
وفوق الوادي تنتشر الأراضي الخضراء المزروعة بالمحاصيل الموسمية ففي الشتاء "القمح" الميساني وفي الصيف الدخن والذرة والسمسم والبرسيم والأعلاف الأخرى.. وفي الجوار هناك بساتين صغيرة مزروعة بالفواكه مثل الرمان والعمبا والجوافة والليمون الحامض والبرتقال والجريب فروت وشتى أنواع الخضار الأخرى وكان يشتريها الإنجليز أو يرسلون الطباخين لديهم لشرائها.
كبرنا قبل الأوان رغم صغر أعمارنا ودخلنا بداية "المعلامة " ثم الابتدائية فالمتوسطة ، وأول ما تعلمنا  أناشيد الوطن والتي كان أشهرها (بلاد العرب أوطاني ) وكنا نرددها في طابور الصباح الباكر ..لم نكن نشدو للجنوب العربي فقط بل للوطن العربي الكبير الذي كنا نحلم أنه سيعود موحدا كما كان إبان الدولتين  الأموية  والعباسية كما قرأنا  ذلك  في المرحلة المتوسطة ، كانت أحلامنا كبيرة تعانق السحاب ، وعندما نتبادل التهاني والسلام في الأعياد كنا نتمنى لأصدقائنا أجمل الأماني مثل : مستقبل مشرق وباهر  وحياة سعيدة الخ تلك الأمنيات  ، كانت أحلامنا وعقولنا وقلوبنا  تتمنى الخير للوطن ولأبنائه  ، فهل تحقق لنا ولك يا وطني ما كنا نحلم به من أمن وازدهار وتطور واستقرار؟؟ هذا هو السؤال الذي ظل مطروحا دون إجابة!!
وأخذت حياتنا مسارا مغايرا لما كنا نحلم به ، وابتلينا بقوم منا وفينا كانوا أشبه بالحواة والمهرجين وزجوا بنا وبالوطن الجنوبي في متاهات السياسة والتبعية واستوردوا قوالب لا تناسبنا لا دينا ولا خلقا فشلت في المعسكر الاشتراكي ذاته  وتبددت أحلامنا صغارا وكبارا ، وإنّ من الابتلاء أن يفقد الإنسان وطنه ويصبح مشرّداً خارج حدوده وأسواره ولكنه  يحمله في فؤاده وخلاياه  ويبقى الوطن هو الحاضر الغائب يجري حبه في عروقه مجرى الدم ويظل يناجيه ويشتاق اليه  ويقول :
وطني يا مهد الطّفولة دفن في ثراك الآباء والأجداد ولا زالت شواهد قبورهم تحاكي الزمان كأنها تتكلم وتقول لنا  :
لا ترتهنوا لأحد  لقد متنا كي يحيا الوطن  فلا تفرطوا في سيادته واستقلاله ،ولكننا مع الأسف الشديد خذلناهم وخرجنا  عن المسارات التي  رسموها لنا وتهنا في دهاليز السياسة وضاع الوطن بعد أن فرطنا فيه ؟!!
والى اللقاء في الحلقة الثانية  والأخيرة
د . علوي عمر بن فريد