أحمد شهاب يكتب:

الكويت: نحو حكومة إصلاح شفافة ومجتمعية

الكويت

تم تعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيسا للوزراء في ظل تفاؤل عام بأن تعيينه إنما هو تدشين لعهد جديد، أهم ملامحه طيّ صفحة الفساد التي أنهكت الوطن طوال السنوات الماضية، وإخراج البلد من كآبة المنظر الذي عمّ الحياة السياسية فيه.

لكن في السياسة لا مجال للتفاؤل أو التشاؤم، وإنما تقاس النجاحات بمدى التقدم الذي يحرزه المعني بإدارة الملف السياسي والتنموي في البلد، وبحجم الإنجازات التي يحققها على الأرض ويتلمسها الجمهور.

خلال السنوات السابقة شهدت الكويت عمليات سرقة منظمة قادتها مافيات فساد، يقول الكويتيون إنهم لم يشاهدوا أحدا (إلا القليل) من سراق المال العام جرت ملاحقته ومعاقبته، بل على العكس من ذلك يقولون إن العديد منهم لا يزالون يتصدرون المشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي بكثافة.

وشهدت البلاد سابقة أمنية غير معهودة في تاريخها السياسي وهي وجود أصحاب رأي مهجرين خارج أسوار البلد أو معتقلين في السجون، البعض منهم لم يكن ذنبه سوى التفاعل مع الأحداث السياسية بتغريدة حماسية، أو مشاركته في اعتصام أو مسيرة سلمية.

في الأثناء تعثرت الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الكويتيين بحيث لم يعد يستطيع الكثير منهم توفير سكن ملائم لأسرهم أو حتى تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب جشع التجار وتسلط الإقطاعيين وتلاعبهم بأسعار الأراضي والمواد الاستهلاكية.

تعرف الحكومة كما المواطن أن الأراضي الفضاء كانت تسور بوضع اليد ثم يتم ترسيمها وبيعها للدولة أو للمواطنين بأضعاف أسعارها، ولم تكن ثمة جهة تحاسبهم، أو تحاسب من قسم ووزع المزارع والشاليهات بغفلة عن القانون والدولة وبتجاسر على حقوق بقية المواطنين.

وتفشت الواسطة في البلاد بشكل سافر وبشع، سرى ذلك مثالا على تفعيل تعيينات “الباراشوت” بحيث يهبط على المنصب من ليس أحقّ به ويتولّى إدارته، وتشكيل لجان مهمتها تقاسم المنافع المالية بين أعضائها، خلاف “السفر السياحي” تحت مسمى العلاج في الخارج على حساب تعطيل إرسال وعلاج المرضى المستحقين.

ثمة حاجة ماسة إلى تدوين القواعد الأخلاقية والمهنية للعاملين في القطاع العام لكل وزارة على حدة، وإجراء رقابة صارمة وجدية على مؤسسات الدولة ووقف التسيب المتسبب في تعطيل حاجات الناس ومصالحهم

ويشتكي الكثيرون من صعوبة قبول أبنائهم في القطاعات الحيوية ذات الكادر الخاص والامتيازات الوظيفية. يتحدث الناس مثلا أن كل الوظائف المهمة تخصص أولوية القبول فيها لأبناء القيادات ولمعارفهم وأقاربهم، وتخصص بقية المقاعد لترضية قيادات الدولة والنواب والطبقة التجارية، بينما لا يكاد يكون نصيب المواطن فيها سوى الفتات.

وتضخمت في السنوات الأخيرة مأساة الكويتيين البدون، وزاد عدد الأسر الموجوعة فيهم، وأغلقت أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة منهم، ويتابع جميع المسؤولين في الدولة قصة الآلام الإنسانية العميقة لهذه الفئة دون أن يرف جفن أحدهم ليحل قضيتهم بإنصاف وإنسانية.

حيال كل ما سبق، ينتظر المواطنون من رئيس مجلس الوزراء الجديد اتخاذ خطوات عاجلة لإصلاح الجهاز الإداري للدولة وليس سن تشريعات وقوانين جديدة، فزيادة القوانين ومراكمتها لا تسمى إصلاحا، وإنما تطبيق القوانين وتنفيذ الأصلح منها هو المطلوب.

إحدى أهم أمارات نجاح الحكومة هي مدى مشاركة المواطن في الأنشطة العامة، في الحكومات السابقة كان دور المواطن يقتصر على النمط التقليدي من المشاركة من خلال الإدلاء بصوته في الانتخابات، ويبدو لي أنه آن الأوان لتنظيم إجراءات تتعلق بالاستجابة للمواطنين، بتوفير منصة لمشاركتهم في الإصلاح الوطني، وتكاتف جهود الحكومة ومنظمات المجتمع المدني من أجل التنمية والإصلاح الحكومي الطموح، إذ يمكن لمنظمات المجتمع أن ترشد العمل الحكومي في عدة مجالات حيوية، وهي:

1 - التقدم في الخدمات العامة.

2 - مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة.

3 - تنمية وإدارة الموارد العامة.

4 - بناء الأمن الاجتماعي.

ثمة حاجة ماسة أيضًا إلى تدوين القواعد الأخلاقية والمهنية للعاملين في القطاع العام لكل وزارة على حدة، وإجراء رقابة صارمة وجدية على مؤسسات الدولة ووقف التسيب المتسبب في تعطيل حاجات الناس ومصالحهم، كما ينبغي تقليص أو إلغاء معظم الصلاحيات الممنوحة للوزراء والقياديين وتحديد قواعد الاستثناء إن وجدت، ووقف التبذير في الأموال العامة، فاختيار الوزراء والوكلاء لا يعني فتح حنفية الأموال العامة لهم أو لأقاربهم.

المواطنون ينتظرون إصلاحات جذرية، نعلم أنها مكلفة، لكنها بالتأكيد ليست صعبة ولا مستحيلة، إنها تحتاج فقط إلى مجموعة من القرارات الجريئة التي تعيد وضع الأمور في مكانها الصحيح، وتشعر المواطنين أنهم شركاء في الوطن. فهل يتمكن رئيس الحكومة الكويتية الجديدة من إصلاح ما أفسدته سنوات من الإهمال؟