ماريا معلوف تكتب:
بعيون أميركية.. هل فعلاً تغير الشرق الأوسط؟
ثمة أسئلة برزت الى الامام بعد قمتي جدة للأمن والتنمية أخيراً وخاصة حول مستقبل الشرق الأوسط ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي جو بايدن عن أهمية المنطقة في مقابل ذلك لم يكن هناك تغير من الجانب الجانب العربي وعلى وجه الخصوص دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات إزاء العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وكذلك العلاقات مع القوى الصاعدة اقتصاديا كالصين.
ولهذا يمكن القول بأن قمة جدة ستؤسس لتصحيح رؤية إدارة بايدن حول العلاقة مع دول الخليج وعلى وجه التحديد السعودية والإمارات الدولتان اللتان تتمتعان بوزن نسبي كبير في الشرق الأوسط على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية وقد حققت الدولتان من خلال نهج مدروس خطوات تطويرية متعددة.
في الوقت الذي تحاول فيه إدارة بايدن رسم خارطة طريق لشرق اوسط لخدمة أميركا ومواجهة القوى الصاعدة على المستوى الدولي، وفي المقدمة منها الصين، فإن لدول الخليج وخاصة السعودية والإمارات علاقات مع دول العالم تحقق مصالحها الخاصة، لكن ذلك لا يمنع من بناء جسوراً لعلاقات أوثق بين العرب والولايات المتحدة، ما فرضتها التغيرات السريعة المتلاحقة على خارطة الأزمات العالمية، والحاجة إلى تشبيك العلاقات دفاعاً عن المصالح المشتركة حيثما وجدت.
لكن الثابت أن منطقة الشرق الأوسط باتت هامشية منذ دخول بايدن البيض الأبيض جنباً إلى جنب مع تراجع دور أميركا لصالح لاعبين دوليين أقوياء كالصين وروسيا وتبعا لعدد كبير من المحللين في أميركا فإن قمة جدة كانت هامة من حيث النتائج وفي المقدمة منها الحوار المباشر بين الولايات المتحدة كقوة عالمية كبرى وبين اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط كالسعودية والإمارات ، ورغم أن بايدن لم يحصل على مكاسب فورية، خاصة في مجال إمداد الطاقة بشقيها النفط والغاز، فإن العلاقات العربية- الأمريكية أصبحت أمام بيئة صحية للبناء على المصالح المشتركة وليس حسب المصلحة الأميركية فحسب. فإدارة بايدن تحاول استرجاع حضورها على مسرح العلاقات الدولية بعد تراجعه خلال السنوات الأخيرة في ظل تمدد صيني واضح وهو ما يخيف إدارة بايدن على مدار الساعة.
لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يغفل الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة السعودية والامارات العربية المتحدة، نظراً لأهميتها الجيوستراتيجية على كافة المستويات ووزنها النسبي الكبير في المنطقة وفي إطار العلاقات الدولية، وتعتبر زيارة بايدن إلى المنطقة تطويرًا لمقاربة إدارته في السياسة الخارجية، التي ركزت على احتواء الصين، باعتبارها الخصم الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة في آسيا، وقد جاء ذلك على حساب وجود واشنطن في مناطق أخرى من العالم، مثل أوروبا والشرق الأوسط.
وقد كشفت الحرب في أوكرانيا حقيقة تراجع النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا في ضوء انكفاء واشنطن عنها وتراجع اهتمامها بها، ولا سيما بعد الانسحاب من أفغانستان، إذ رفض أغلب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما فيهم السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل، إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجاهلت السعودية والإمارات طلبات أميركية متكررة بزيادة إنتاجهما من النفط لخفض الأسعار، وتسهيل استغناء أوروبا عن النفط الروسي، ويبدو أن زيارة بايدن للمنطقة اندرجت في محاولة إدارة بايدن انقاذ سمعة أميركا وهو ما أكده في مقالة له في يناير من العام الماضي 2021، بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أنه يتعين عليه كرئيس "أن يخاطب العالم كما هو، وسيكون التركيز في التفاصيل مهمة هائلة، بحيث أُصبح ملزماً بإنقاذ سمعتنا، وإعادة بناء الثقة في قيادتنا، وتعبئة دولتنا وحلفائنا لمواجهة التحديات الجديدة".
ولهذا كانت الملفات كثيرة في قمة جدة ومتشعبة وتمحورت حول السلام والاستقرار والاقتصاد والرفاهية والتنمية وتعزيز التعاون في مواجهة ليس فقط القضايا التقليدية مثل حماية الأمن ومكافحة الإرهاب بل تعدتها الى تفحص القضايا الدولية الشائكة التي تهم كافة دول العالم. وفي الوقت الذي سعى فيه بايدن لتحقيق مصالح امريكية خاصة ببعديها الأمني والاستراتيجي، فأن دول الخليج العربي وخاصة السعودية والإمارات تسير بخطوات ثابتة وواثقة لتحقيق مصالحها الخاصة أيضاً.
بالتأكيد لم ولن ترسم زيارة بايدن قبل فترة وجيزة للمنطقة ملامح شرق اوسط جديد، لأنه مصطلح فضفاض وطرح أساسا في بداية التسعينيات من القرن الماضي من خارج دول المنطقة ويمكن الجزم بأن شرق اوسط جديد وحقيقي؛ قد تتشكل نواته الأولى من السعودية والإمارات العربية المتحدة، لأن الدولتان تتمتعان بمستويات عالية على صعيد التنمية الاقتصادية وكذلك التنمية البشرية، فضلاً عن قدرة البلدين على بناء علاقات متوازنة مع غالبية دول العالم ومشهود لها وهو ما حصل فعلاً خلال العقود الماضية.