د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

متى نتصالح ونتسامح مع أنفسنا؟؟!!

جدة

عندما تعود بنا الذاكرة الى الماضي علينا أن نلجمها من استجرار الماضي المؤلم في حياتنا حتى لا نصاب بالسلبية والإحباط ومن أجل ذلك سنصل بالتصالح مع أنفسنا أولا ثم مع الغير كما يلي:
- لوم النفس هي أول الخطوات التي تصيبنا بالطاقة والإحباط على ذكريات وأخطاء الماضي فلا تلم نفسك عن أفعال وأخطاء حدثت في زمن مختلف ومع أشخاص مختلفين.
- ذكريات وأخطاء الماضي تعلمنا الصفح، فإذا كنا أخطأنا في حق أحد فالأيام تمنحنا الغفران من الطرف الآخر وسيزيدنا قوة وعدم تذكر الأيام المؤلمة وأخطاءها.
- الماضي بأخطائه حدث وانتهى، والتجربة اعطتنا الثقل لمواجهة الحياة بمشاكل مختلفة، انظر إلى الأمام وأطوى الصفحة ولا تخجل من أخطائك، وضمها إلى تاريخ حياتك. !!
هل فكرت يوما أن تجلس مع عقلك الباطن وتجري حوارا بينك وبين أفكارك؟ هل فكرت يوما أن تغير البرمجة التي برمجت عليها عقلك وحاولت أن تقوم بإعادة تصحيح لمسار أفكارك السلبية التي قد تدفعك الى الاحباط أو فقدان الثقة في النفس.
يقول أحد علماء الهندسة النفسية: في استطاعتنا في كل لحظة تغيير ماضينا ومستقبلنا وذلك بإعادة برمجة حاضرنا فهناك كثير من الأشخاص تبرمج منذ الصغر بأفكار ومعتقدات تبقى معهم وتكبر معهم الى أن يصبحوا سجناء لهذه الأفكار والمعتقدات دون تفكير أو فهم !!
فكل رسالة تبرمجت في هذا العقل لمدة طويلة ولمرات عديدة مثل أن تقول دائما في كل موقف أنا خجول أنا عصبي المزاج أو أنا لا أستطيع مزاولة الرياضة أو أنا لا أستطيع ترك التدخين. و هكذا فإن مثل هذه الرسائل ستترسخ وتستقر في مستوى عميق في العقل الباطن ولا يمكن تغيرها ولكن يمكن استبدالها ببرمجة أخرى سليمة وإيجابية للذات. يقول دكتور إبراهيم الفقي رحمه الله، أن هناك خمس قواعد لبرمجة عقلك الباطن وهي يجب أن تكون رسالتك واضحة ومحددة. ويجب أن تكون رسالتك إيجابية مثل أنا قوي. أنا سليم أنا أستطيع الامتناع عن التدخين وهكذا يجب أن تدل رسالتك على الوقت الحاضر لا المستقبل مثال: لا تقول أنا سوف أكون قويا بل قل أنا قوي يجب أن يصاحب رسالتك الإحساس القوي بمضمونها أي الإحساس بالقوة حتى يقبلها العقل الباطن
فلنبدأ بالخطوة الاولى: وهي التحدث الإيجابي مع النفس أو بمعنى آخر أن نتصالح مع أنفسنا وأن نحدد نقاط الضعف فمن منا ليس لديه نقاط ضعف تمنى كثيرا أن يتخلص منها ومن منا كامل متكامل لا أحد بالطبع.
إذاً فمهما كان عمرك، كبيرا أو صغيرا، شابا أو رجلا مسنا يمكنك أن تصحح برمجة عقلك الباطن. يمكنك أن تغير من شخصيتك وأن تحول نقاط الضعف لديك الى قوة أيا كانت، فعقلك الباطن مستمع جيد الى أفكارك. غير من برمجة عقلك الى الأفضل فالوقت لم يمر بعد، فكل يوم تشرق فيها الشمس وأنت على قيد الحياة بداية جديدة لك تستطيع أن تفعل فيها الكثير لا تقف مكتوف الأيدي وتقول لقد فات الوقت وأؤكد لك إن الأوان لم يفت بعد. فلنبدأ التجربة ولنحاول أن نجدد حياتنا للأفضل ولنبدأ بالتغير الآن ليس الغد ولنقدر نعمة الحياة التي نحياها والنظر الى أجمل ما فينا !!
بين الماضي والمستقبل صراعات تدور حولها الكثير من الملفات في حياتنا بمختلف أوجهها ووجهاتها، بين الماضي والمستقبل تتصارع القوى السياسية العالمية، وتهدد مكانة دول بأكملها. وهو ذاته الصراع الذي يهدد استقرار عائلة صغيرة، بين الماضي والمستقبل تحتكم حياتنا ونحن وسط هذا الصراع نعيش حاضرنا بمزيد من الأسى والحسرة والألم، وأحياناً تصل للدمار والتشرّد، فهل فعلاً جميع صراعاتنا مرتبطة بالماضي والمستقبل، وأين هو حاضرنا، وأين هي كلمته في هذا الصراع؟!
دول كثيرة في هذا العالم تريد استرجاع ماضيها، تريد أن تعيد أمجادها التاريخية أو تريد أن تنتقم من ماضٍ ما زال يلاحقها، ودول أخرى تتصارع على امتلاك المستقبل، تتقاتل فيما بينها، من يكسب معارك المستقبل، ومن الذي سيقود هذا العالم في قادم الأيام.
وتتلخص الحكاية في صراع على الماضي، أو صراع على المستقبل، وهو ما يجعل حياة الكثيرين حول العالم تواجه مصير التهديد المستمر بالتشرد والقتل والإبادة، فقط لأن أجدادهم قاموا بفعل معين في الماضي ضد أجداد آخرين يحاولون الانتقام لهم واسترجاع مكانتهم وأمجادهم..
صراع الماضي والمستقبل أصبح سجناً كبيراً تدور فيه حياتنا من أصغر صغير بيننا حتى أكبر كبير، فقدنا الإحساس باللحظة التي بين أيدينا، فقدنا كيف نعيش حاضرنا، ونستغل ما بين أيدينا من مقومات، فقط لأننا فكرنا بالماضي أو بالمستقبل، في حين أننا لا نملك الماضي ولا نستطيع إصلاحه أو استرجاعه أو حتى تغييره، ولا نمتلك المستقبل مهما خططنا له وأعددنا من أجله.
فالأحداث تتغير وتغيّر من مجرانا مهما حاولنا، ولا أقصد هنا أن نترك حياتنا للرياح تسيّرها كيفما تشاء، لكن يجب أن نضع حداً لهذا الصراع، ونعطي كل وقت حقه، وأن نستثمر ما في أيدينا من أمور ستجعلنا سعداء وتخرجنا من هذا السجن لنعيش حياتنا بكل تفاصيلها وتجاربها وأحداثها، حتى الدول والأمم والأعراق والديانات التي تتصارع على الماضي، وتخطّط لكسب معركة المستقبل، يجب أن تعيد تفكيرها بأن تتصالح مع نفسها.
فالزمان لا يعود، ولن تعود الأمجاد بالصراع والقتل، فنحن في عصر تغيّرت فيه الكثير من المفاهيم، ولم يعد للماضي أي مكان بيننا، وعمل اليوم والتعايش مع الحاضر هو أسلم طريق لبناء المستقبل، فلا الأحلام هي التي ستعيد لنا أمجادنا، ولا التنظير يصنع مستقبلنا، إنما الواقعية هي التي تحتم علينا أن ننظر لما بين أيدينا، للنظر لحياتنا الآن، ونعمل فيها بجدّ لكي نكون متواجدين في المستقبل بشكل أفضل.
د. علوي عمر بن فريد