ماريا معلوف تكتب:
العملاق الأخضر في مواجهة الدب الروسي والتنين الصيني
لم تكن الديمقراطية طوباوية إلى الحدّ الذي جعلت فيه بعض الدول تتنازل عن توليتاريتها، بل كانت مسوغا وسندا للرغبة في العودة إلى عصر الإمبراطويات.
روسيا والصين يعززان طموحاتهما في الوصول إلى ذلك عبر إطلاقهما لنواة قطب جديد بدايته قمة شنغهاي، التي تسعى إلى تعزيز الروابط والتعاون بين البلدين مع استقطابهما لمجموعة من الدول التي شكلت سابقا الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى تركيا كدولة مشاركة ومحاورة في القمة وضم إيران أخيرا إلى هذا التكتل، بهدف لجم وتحجيم النفوذ الأميركي.
اختتمت القمة التي عُقدت في مدينة سمرقند بمشاركة كل من روسيا والصين، وباكستان وكازاخستان وطاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان. ركزت القمة على آفاق وسبل تعميق التعاون في سياق التحولات العالمية الجارية في العالم وكيفية تكييف منظمة شنغهاي مع الواقع الجيوسياسي الجديد، وتحديث أنشطة المنظمة مع التركيز تحسين آليات التصدي للتحديات والتهديدات الأمنية، وتعزيز تنسيق السياسية الخارجية وزيادة فعالية العمل المشترك.
جاء البيان الختامي للقمة بعدة توصيات أهمها: تشكيل قمة موحدة للمنظمات الإرهابية والانفصالية المتطرفة، وزيادة عزمها للتعاون في مجال الدفاع والأمن من خلال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الارهاب ضمن مهمات السلام، كما دعت الى الامتثال لاتفاقية حظر التطوير والانتاج والتخزين والاستخدام للأسلحة الكيميائية وإلى تدميرها، كما تمّ التوقيع من قبل الدول المشاركة على إعلان سمرقند في ختام اجتماع مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي الذي حمل بدوره مجموعة من الرسائل التى تسعى لتحجيم دور الولايات المتحدة عبر تأسيسه كجبهة موازية لاميركا وتحالفاتها في العالم.
فإن النزاع الروسي الأميركي لم ينته مع نهاية الحروب العالمية الثانية أو في الحرب الباردة وإن النزاع لا يزال يتضخم بشكل متسارع لوصول كل منهما إلى سيادة العالم عبر فتح باب التحالفات وزرع توازنات قوة جديدة وهذا ما يثير غضب وقلق أميركا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
يمكن القول إن الصراع الحديث بين أميركا وروسيا بدأ بعد غزو العراق عام 2033، حيث كان الموقف الروسي رافضا للعمل العسكري الأميركي آنداك وبشدة سببا للتباعد في المواقف بين الروس وأميركا، وباباً للتقرب بين بكين وموسكو، حيث تعمّقت العلاقة بين هاتين الدولتين بعد الأزمة المالية عام 2008 حتى أصبح هذا التقارب واضح المعالم عام 2014 بعدما فرضت عقوبات على روسيا على أثر ضمّ روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية، مما دفع بروسيا حينها بالبحث عن شركاء جدد وأسواق جديدة لصادرتها من الطاقة وهذا ما جعل الصين الشريكة الأنسب لروسيا، بالإضافة إلى مجموعة من الدوافع جعلت التحالف مناسبا لكلاهما أبرزها أن حلف شمال الاطلسي في أوروبا يشكل تهديدا لروسيا.أمّا الصين تعتبر أن شبكة معاهدات الدفاع الثنائية لواشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادي يُعدّ بمثابة تهديد لها.
رغبة الرئيس الصيني شي والرئيس الروسي بوتن في استعادة الإمبراطوريات حيث عبّر كل منهما عن رغبتهما المعلنة بسحق المعارضة في داخل الدولتين، إلى جانب بيع روسيا للصين أسلحة متقدمة منها صواريخ "إس-400" المضادة للطائرات بقيمة 5 مليارات دولار وطائرات هجومية من طراز "سو-35"، وتوقيع شركة غاز بروم الروسية اتفاقية بقيمة 400 مليار دولار لتزويد الصين بالغاز الطبيعي عبر خط انابيب يمسى قوة سيبيريا.
بالمقابل تكمن مخاوف الإدراة الأميركية من تعاظم الدور الروسي الصيني في العالم لعدة عوامل منها: التعاون المتزايد بين الصين وروسيا في المجالات الاقتصادية والسياسية، وخوف أميركا من شنّ روسيا حرباً على إحدى دول الاتحاد الاوروبي التي تشكل حليفا لها بغية إلهائها عن مواجهة الصين بشأن تايوان، كما أن إنفاق موسكو وبكين مجتمعتان على الدفاع أكثر من حجم انفاق الولايات المتحدة والخشية من القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي يمكن يكونها الاثنان تسكل عنصر جذب وتشجيع لقادة الدول الأخرى ذوي الميول الاستبدادية ويقوّض الثقة في النظام الدولي العالمي ويفتت القواعد التي روّجت لها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.
كما أن الموقف الصيني من أزمة أوكرانيا وروسيا وشبه تأييدها للحملة الروسية معتبرة أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" مسؤولان أساسيان في الحرب بالإضافة إلى شراء الصين للنفط الروسي الذي تمّ استبعاده من قبل بعض الدول شكلّ للروس مصدرا تمويليا بشكل غير مباشر في حربها على أوكرانيا، كما يأتي قلق الإدارة الأميركية من تحالف موسكو وبكين بسبب بحث موسكو عن أسواق وموردين كبديل عن الشركات الأجنبية الكبرى التي غادرت روسيا بعد العملية العسكرية على أوكرانيا كما ان تفوّق التطورات الصينية في الجرميات والذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية أدى إلى استقالة رئيس الحرميات في البنتغون عام 2021 معبرا عن احباطه في هذا الشأن.
ولعلّ أبرز ما يُقلق البيت الابيض تقويض التحالف لسياسة واشنطن المالية حيث تحرص واشنطن على تزعم النظام الدولي كقوة مالية وعمل إدارة جو بايدن نحو الربط بين القوة المالية والجيوسياسية وهذا ما تعرقله الصين وروسيا بسبب تمددهما الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة والعالم.
فهل سينتصر العملاق الأخضر في مواجهة الدب الروسي والتنين الصيني؟