سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

انتفاضة النساء في إيران والهوية الإسلامية

سواء كان الحجاب جزء من (الشريعة الإسلامية) أو غريب عنها، أو سواء كان الحجاب مقتصراً فقط على نساء (النبي)، المعزز بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، أو أنه أحد أركان الشريعة ويطبق على النساء جميعهن، وبغض النظر عن المكان والزمان، فإن الحجاب الإسلامي، اليوم، هو جزء من هوية الإسلام السياسي.

إن استعباد المرأة ومعاملتها بشكل دوني، والنظر لها كونها تمثل سلعة جنسية يجب الحفاظ على نضارتها ونقائها، هو الحلقة المركزية في المنظومة السياسية والاجتماعية للإسلام السياسي.

وتختلف درجة معاملة المرأة بشكل دوني من جماعة إسلامية الى أخرى حسب التبعية لفقه معين، وحسب توازن القوى في المجتمع، فالمرأة في منظومة طالبان وداعش أقل حظا مما عليها في منظومة ولاية الفقيه أو المجموعات الإسلامية الشيعية، لكن الجميع، يجمعون على أن المرأة هي سلعة جنسية وتثير غرائز الرجل ويجب تغليفها بالحجاب أو النقاب أو البرقع أو العباءة لمنع الشرور في المجتمع. 

وعليه أن أية جماعة إسلامية، بمجرد أن تسنح لها الفرصة، وبغض النظر عن نوع هذه الفرصة سواء فرضت سلطتها أو أتيحت لها بالتحدث علنا من على منابر الجوامع والمساجد والفضائيات المدفوعة الأجر، فإن أول شيء تروج له هو التهجم على النساء، وإلقاء اللوم، بأنَّ سبب مصائب المجتمع من الفقر والعوز والجريمة المنظمة والتحرش الجنسي والاغتصاب، يعود الى عدم فرض الحجاب على النساء وعدم التزامهم بقواعد الشريعة الإسلامية، هذه الضحالة الفكرية والسياسية والاجتماعية هي محتوى هوية الإسلام السياسي، فتخيل بدون هذه الضحالة ماذا يبقى لديه للتحدث الى المجتمع.؟

ما يحدث اليوم في إيران من تنظيم تجمعات لاحتفاء بعمليات حرق آلاف من النساء لحجابها، احتجاجا على موت (مهسى أميني) تحت تعذيب "شرطة الأخلاق" بسبب مخالفتها لقواعد الحجاب، هو تحدي سافر للجمهورية الإسلامية بكل جلاوزتها وأجهزتها القمعية وأعرافها وفقها وكل منظومتها الأخلاقية المتهرئة، ويعني أن نساء إيران بعد خمسة عقود من سلطة الإسلام السياسي يتجاسرن على تمزيق هوية الجمهورية الإسلامية، أو هوية الإسلام السياسي، ويعني أيضا كسر هيبة وسطوة وجبروت الإسلام السياسي ليس على صعيد إيران فحسب بل على صعيد المنطقة التي ابتلت بالإسلام السياسي.

إن تنظيم مراسيم ارتداء الحجاب لآلاف من الأطفال الإناث اللواتي بلغن سن ما يسمى بـ "التكليف الشرعي" من قبل الجماعات الإسلامية، كما حدث قبل أشهر في محافظتي دهوك وحلبجة في كردستان العراق لأكثر من (5) آلاف طفلة بلغْنَّ من العمر (9) سنوات، مستغلين أوضاع أسرهم الاقتصادية بتقديم المساعدات المادية لهم، يبين بشكل واضح على رمزية الحجاب وقداسته بالنسبة لهذه الجماعات.  

بعبارة أخرى إن ارتداء الحجاب من عدمه ليس مرتبط بالحرية الشخصية، كما يحاول عدد ممن يصفون أنفسهم بالليبراليين والديمقراطيين التنظير له وهم لا يرون أكثر من وقع أقدامهم، فالحجاب بات عنوانا بارزا لفرض سطوة الإسلام السياسي على المجتمع، وإن هذه المسالة مرتبطة بالتعامل الدوني مع المرأة، ويدلل بشكل واضح أن الإسلام السياسي ليس أكثر من منظومة ذكورية تلبي رغبات الرجل في العالم الرأسمالي ولكن بشكله المنحط.

إن انتفاضة نساء إيران سواء انتصرت في إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران أو لم تنتصر، فأن الدرس البليغ الذي يجب التعلم منه، هو الجسارة الثورية للمرأة في إيران بتحدي كل منظومة الإرهاب والقمع، وأنها تتقدم النضال لتهدم بالمعاول صرح كل الترهات التي أرسيت خلال خمسة عقود من الزمن والقائلة: بأن المجتمع الإيراني هو مجتمع إسلامي، وعلى وقع تلك الجسارة سيدفع الملالي ومنظومتهم السياسية ثمن اختطافهم للثورة الإيرانية. 

وفي نفس الوقت تفتح الانتفاضة صفحة جديدة على عمر الإسلام السياسي في إيران والمنطقة، بأنَّه آفل لا محال، وأنَّه قد آن الأوان لشد الرحال والعودة الى كهوف العصر الحجري.