ماريا معلوف تكتب:

أزمة الغذاء تقرع الأبواب من جديد

‎تتعدد الأسباب إنما النتيجة واحدة فقر وجوع يطرق أبواب العالم من جديد وكأنما أزمة الغذاء عام 2008 لم تعلّم الحكومات درسا في كيفية إدارة هذه الأزمة القديمة المستحدثة من العام 1972 والعام 1974 إلى يومنا هذا.

أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في افتتاح الدورة الـ77 للجمعية العامة للمنظمة الدولية، الثلاثاء، تحذيرا من تدهور الأمن الغذائي في العالم بسبب الانقسامات الجيوسياسية التي تقوّض مجلس الأمن والقانون الدولي وآخرها الحرب على أوكرانيا التي سرعت وتيرة التدهور، لافتا إلى أن المجتمع الدولي "ليس مستعدا لمواجهة هذه التحديات غير المسبوقة".

ودعا غوتيريش الجميع لتحمل مسؤولياته والعمل على حلّ الأزمة الغذائية بأقرب وقت ممكن"، محذرا من أن "شتاءً من السخط العالمي يلوح في الأفق."

‎ويعتبر تأجج الصراعات الدولية والنزعات المسلحة مربعا يسهل معه تأزيم الوضع الغذائي في العالم حيث أن ما يزيد عن 60 بالمئة من جياع العالم يسكنون في الأماكن الأكثر سخونة وتوترا والتي تشهد حروبا واقتتالات، وليس آخر هذه الحروب الحرب على أوكرانيا حيث أدت الى تفاقم الوضع سوءا على اعتبار أن كل من روسيا وأوكرانيا الدولتان الأساسيتان في تصدير القمح والسلع الاستهلاكية، بالإضافة لتعطيل الحرب لموانئ أوكرانيا في البحر الأسود التي كانت تشهد حركة كثيفة، وكبح قدرة روسيا على التصدير حيث يسهم هذان البلدان بربع صادرات العالم من القمح وخُمس صادراته من الشعير والذرة وأكثر من نصف صادرات زيت بذور دوار الشمس .

‎ إن البُعد الجغرافي للصراع الروسي الأوكراني لم يكن كافيا لتسلم بعض الدول من نيرانه، حيث أن تداعياته أثرت وبشكل كبير على دول منطقة الشرق الأوسط وطالت أمنهم الغذائي، مهددة بأزمة تبدأ من رغيف الخبز وقد لا تنتهي عند حدّ .

‎ولعل أكثر الدول العربية تأثرا هما لبنان ومصر، حيث تترنح الأولى في ظل انهيار مالي أودى بالقيمة الشرائية لعملتها الوطنية وسعر صرفها وفقدان لبنان لمخزونه الاستراتيجي من القمح بع انفجار المرفأ حيث لحق دمار كبير بصوامع التخزين أخرجها من الخدمة نهائيا بعدما كانت تستوعب نحو 120 ألف طن حيث اعتمد لبنان في عام 2020 بالجزء الأكبر من استيراده للقمح على أوكرانيا.

إن الاعتماد الكلي للاقتصاد اللبناني على الاستيراد لتوفير حاجاته الأساسية والثانوية، وارتباط أسعار السلع والمواد الغذائية مباشرة بالأسواق العالمية، وتأثر معيشة اللبنانيين بأقل تغيير قد يطرأ عليها جعل من الأزمة الروسية الأوكرانية كابوسا جديدا يضاف على أمن لبنان الغذائي.

‎أما مصر التي تأثرت أيضا بالنزاع الروسي الأوكراني أصدرت حزمة من القرارات بهدف الحفاظ على أمنها الغذائي وحمايته من لهيب ذلك الصراع، فعمدت لشراء القمح من موردين آخرين، لا سيما من رومانيا، بعد أن بلغ استيرادها في العام 2021، 50 بالمئة من القمح من روسيا، و30 بالمئة من أوكرانيا، لما لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في توريد العالم العربي بالحبوب نظرا لسعرها المنخفض في البلدين وهذا ما جعل مصر متخوفة على مصير شعبها الغذائي إذا ما طال أمد تلك الأزمة.

وفي إطار مواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عمدت مصر لتأمين توازنها من السلع الاستراتيجية واحتياجاتها الغذائية، لحظر تصدير "الفول والعدس والقمح، والدقيق بجميع أنواعه، فضلا عن المعكرونة.

و‎تبعا لدراسة أجراها WFP " برنامج الاغذية العالمي" تبين بموجبها أنه ينام ما يقارب 828 مليون شخص كلّ ليلة وهم جوعى، وارتفع تعداد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد من 135 مليونا إلى 345 مليونا منذ العام 2019، وهناك حوالي 50 مليونا شخص في 45 دولة على شفير المجاعة من أميركا الوسطى وهايتي مرورا بجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان ثم شرقا إلى القرن الإفريقي وسوريا وجنوب السودان واليمن وصولا لأفغانستان، حيث تتسع هذه الحلقة وتدفع النزاعات والصراعات الناس في تلك البلدان لخطر المجاعة.

وبفضل دعم دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكّن برنامج الأغذية العالمي من نقل شحنة من الأغذية جوا من مستودع الأمم المتحدة للاستجابة للحالات الإنسانية التابع له في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي إلى بانغي في جمهورية إفريقيا الوسطى، مع العلم أن المدينة العالمية للخدمات الانسانية تستضيف أكبر مستودع من مستودعات الأمم المتحدة للاستجابة للحالات الإنسانية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في العالم، مستفيدة بذلك من موقع الإمارات الذي لا مثيل له كبوابة لوجستية ومركز تجاري يربط جميع أنحاء العالم.

ويتمتع المستودع بدعم سخي من الإمارات التي تعد بين أكبر الجهات المانحة لبرنامج الأغذية العالمي في العالم.

‎هذا ولم تنعم البشرية منذ جائحة كورونا بدورتها الطبيعية، بل إن الإغلاق المستمر شلّ كافة القطاعات الاقتصادية الكُبرى والصُغرى ما أنتج موتا سريريا في صحة الاقتصاد وجرّد المؤسسات والشركات من كادرها البشري حيث أدى ذلك لتدهور الوضع المالي لكثير من الأشخاص من الطبقة الوسطى وما دون نتيجة صرفهم من العمل أو الاستغناء عن خدماتهم لعدم توفر الإمكانات المادية اللازمة لتغطية نفقات الرواتب والأجور وما سمح بنشوء حالات فقر جديدة.

ويمكن القول إن هذه الأزمة الأممية العالمية تنتظر حلولا من مراكز القرار الأساسية كالإدارة الأميركية كونها شريكة ومسؤولة في الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي في ظل الحرب الروسية -الأوكرانية، والتي تواجه اليوم (الإدارة الأميركية) انقساما في الآراء بين مؤيد ومعارض لإمكانية رفع العقوبات أو بقائها على الدول التي تعتبر مُصّدرا أساسيا للحبوب والقمح كتقديم حافز لبيلاروسيا بإعفائها لمدة 6 أشهر من العقوبات المفروضة على صناعة الأسمدة البوتاسية، ويُسلّط النقاش حول بدائل إخراج مخزونات الحبوب لهذا العام من أوكرانيا الضوء على المعضلة التي تواجه صانعي السياسات في واشنطن وغيرها من عواصم العالم.