خورشيد دلي يكتب:
أزمة أوكرانيا وسيناريو الرعب النووي
في خضم تطورات الأزمة الأوكرانية، يلوّح مسؤولون روس، على رأسهم الرئيس بوتين، بسيناريو الرعب النووي.
وهو تلويح يأتي على وقع إعلان موسكو "التعبئة الجزئية"، وإجراء استفتاء لضم مناطق دونيتسك وخيرسون ولوهانسك وزابوريجيا إلى روسيا، وفرضية لجوء روسيا إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية تنبع من أمرين:
الأول، أن روسيا تمتلك ما يكفي من هذه الأسلحة للرد على تعرضها لتهديد وجودي، ولعلها تقول هنا: ما الغاية من امتلاك أسلحة نووية؟ وما الفائدة من امتلاكها ما لم يتم استخدامها في لحظة دفاعية حرجة كهذه؟
إذ إن لسان حال موسكو بات يقول إما انتصار في أوكرانيا أو عتبة حرب نووية.
الثاني، أن روسيا تعتقد في العمق أنها ليست في حرب مع أوكرانيا وإنما مع الغرب بشقّيه الأمريكي والأوروبي، وأداتهما العسكرية حلف شمال الأطلسي، حيث تعتقد أن الغرب يريد تكرار سيناريو الاتحاد السوفييتي مع الاتحاد الروسي عبر دفعه إلى التفكك والتقسيم والانهيار عبر مسارات معقدة ومتداخلة.
تلويح موسكو باستخدام أسلحة نووية يقابَل حتى الآن في الغرب بنوع من اللا مبالاة في إطار الاعتقاد بأنه مجرد "خدعة من بوتين"، على غرار ما فعله الزعيم السوفييتي الراحل نيكتيا خروتشوف خلال ما عُرف بأزمة الصواريخ الكوبية قبل نحو ستة عقود، عندما أعلن حالة التأهب القصوى، لكن واقع الأزمة الأوكرانية ومصيريّتها لروسيا، يجعلان من التلويح الروسي باستخدام أسلحة نووية في ميزان العقل دعوة إلى التأمل والتفكير الجدّي، خاصة في ظل العقيدة النووية الروسية التي تقول بأن الأسلحة النووية هي "للردع" في لحظة تهديد وجودي، وعليه ينبغي عدم تجاهل أن موسكو وضعت الزر النووي على الطاولة في ظل اعتقادها أن الغرب يريد إلحاق هزيمة قاسية بها من بوابة أوكرانيا.
المشكلة كل المشكلة أن ما قد يدفع سيناريو الرعب النووي إلى سدة المشهد، هو سلوك الغرب في الأزمة الأوكرانية، إذ إن يوميات هذه الأزمة تؤكد أن الغرب ماضٍ في التصعيد ولا يبحث عن تسوية سياسية لها، وعليه يقابل كل خطوة أو تطور على جبهة الحرب بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، وتقديم مزيد من العتاد والأسلحة لأوكرانيا، ونقل أسلحة جديدة إلى ساحات أوروبا الشرقية، وضم دول جديدة إلى حلف الناتو.. حيث من شأن كل ما سبق دفع موسكو إلى إشهار أسلحة نووية تكتيكية في لحظة حرجة، بغية توجيه ضربة قوية للجيش الأوكراني، وتدمير مقاره ومراكزه اللوجيستية، من أجل دفع كييف إلى الاستسلام أو القبول بالتفاوض من أجل تسوية سياسية، وهكذا يتقدم سيناريو الرعب النووي دون أن يعرف أحد كيف سينتهي هذا السيناريو، وما إذا كان الغرب سيجعل من هذا السيناريو مدخلا للتدخل المباشر في الحرب ضد روسيا أو التوجه إلى تسوية سياسية.
الثابت أن الرئيس بوتين، الذي لا يتردد في اتخاذ القرارات الصعبة، لن يقبل بهزيمة عرشه وجيشه ودولته، وانطلاقا من تاريخه الطويل في اتخاذ القرارات والخطوات المصيرية وضع سيناريو النووي على الطاولة، ورغم أنه للردع فإنه يضع السلم العالمي أمام خطر شديد، وهو ما يُلقي بالمسؤولية على الغرب، خاصة أن الأخير تجاهل على الدوام البحث عن تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية، وهو ما يطرح السؤال عن أسباب تجاهله أو حتى عدم طرحه مبادرة سلمية لتسوية هذه الأزمة رغم مرور قرابة ثمانية أشهر عليها.
في الواقع، تجاهل سيناريو حرب نووية لن يقي العالم -بما في ذلك الغرب- منها، في ظل الاستراتيجية الروسية الواضحة، تلك الاستراتيجية التي تقول إنه في حال مواصلة الخصم حربه فإن استخدام أسلحة نووية بات قرارا لا بد منه.