د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
كيف تمكن الحوثي من تطويع القبائل اليمنية؟
أدرك الحوثيون منذ بداية حركتهم أهمية كسب ولاء القبائل اليمنية وقد عانوا في ذلك الأمر معاناة شديدة لكسب ولائها ومن ثم تطويعها والسيطرة عليها حتى أصبحت تقاتل في صفوفهم
وتمكنت الحركة الحوثية من تمزيق النسيج الاجتماعي القبلي في المناطق الخاضعة لسيطرتها مما أدى إلى نتائج كارثية على تلك القبائل حاضرا ومستقبلا ، وعلينا أن ندرك أن الحركة الحوثية هي جماعة دينية مسلحة ترتكز على احتكار السلطة حصرا في آل البيت التي تنتمي الى بني هاشم في سبيل استرداد عرش الإمامة الذي سقط في ثورة 26 سبتمبر عام 1962م ،والأدهى والأمر أنهم ينكرون ذلك وتميل الى العنف لتحقيق ذلك وان على شعارات مضللة تنطلي في مجملها على القبائل اليمنية التي تندرج في أطر اجتماعية ترتكز على وشائج القربى والمصالح المشتركة لا تميل للعنف الا في حالات نادرة مما نتج عن ذلك سيطرة الحركة الحوثية على أهم القبائل المتواجدة في الهضبة مثل :
حاشد ، بكيل ،لهنوم ، خولان ، وغيرها ، وتمكن الحوثيون من فرض قيادات قبلية جديدة عليها لتطويعها واخضاعها وضربها ببعضها البعض ومن ثم استطاعوا التحكم في المشهد القبلي برمته
وعندما نستدعي التاريخ نجد أن من أهم أسباب فشل ثورة اليمن عام 1948م هي القبائل اليمنية التي استنجد بها الامام أحمد ، ونجد العكس في ذلك عندما نجحت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م
وبعد أن أدرك الحوثيون أهمية كسب الدعم القبلي، شرعوا في خلخلة المؤسسة القبلية التقليدية بشقيها السياسي الذي كان منخرطًا في الدولة، والتقليدي الذي كان مسيطرًا على الوضع القبلي من خلال تعيين مشرفين من أبناء الطبقة الهاشمية في مؤسسات الدولة وكذلك على المناطق القبلية، فأصبح المشرف الحوثي الهاشمي هو المسؤول الأول وسلطته أقوى من سلطة القبيلة والمؤسسات الحكومية. وقد كان التحالف المرحلي مع الحوثي الذي انتهجه الرئيس السابق " صالح " لضرب خصومه عام 2011م عندما أوعز للقبائل الموالية له بأن يساعدوا الحركة الحوثية وأن لا يقفوا في وجهها خاصة خلال اقتحامها لمحافظتي عمران وصنعاء، وفعلا ساعدت بعض هذه القبائل الموالية لصالح الحركة الحوثية حتى تم إسقاط العاصمة صنعاء بل وقتل صالح نفسه !!
وقد عمل الحوثيون على إضعاف الدور السياسي للقبائل، ولتنفيذ هذه السياسة لجأوا لعدة أساليب. على سبيل المثال، قام الحوثيون بتنصيب بعض القيادات القبلية المغمورة الموالية لهم وأصبح هؤلاء الشيوخ يمارسون القمع ضد كل من يعارض فكر الحوثي، حيث يقومون بسجنهم أو أخذ رهائن أو ربما تصفيتهم جسديًا إذا رفضوا توجيهات قادة الحركة كما تعمد الحوثيون العمل بسياسة ضرب القبائل ببعضها البعض وعدم البت في حل القضايا القبلية حتى يكونوا مربوطين بالحركة الحوثية لأن حل الخلافات القبلية لا يصب في صالح الحركة، ولتنفيذ هذه الإستراتيجية أوكل الحوثيون القضايا القبلية لشخصيات قبلية محسوبة على الحركة الحوثية ولا يوجد لدى هذه الشخصيات صفات القيادة القبلية وبذلك فشلت القبائل أن تتكاتف لتشكل جبهة موحدة لمواجهة الحوثيين نظرا لتفككها كما استخدم الحوثيون أيضًا القوة المفرطة لإرهاب القبائل الشهيرة كقبائل حاشد وبكيل وخولان وهمدان وأرحب وتفردوا بقتالها الواحدة تلو الأخرى، وهذا سهل لهم هزيمة القبائل، وتم إهانة بعض رموز القبائل وتفجير منازلهم، كما قاموا بتفجير المقرات السياسية ودور العبادة، وهكذا دمر الحوثيون الأعراف القبلية وضربوا بها عرض الحائط وحولوا القبائل إلى مجاميع عنف مسلحة واستخدموا كل الوسائل لعسكرتها..
وبعد أن سيطر الحوثيون على كل المؤسسات الحكومية والتعليمية والدينية لصالحهم قام الحوثي بتحويل المجالس القبلية إلى ما يشبه مراكز دينية لنشر فكرهم، فلا تجد سوى محاضرات عبد الملك الحوثي، وتدريس ملازم مؤسس الحركة- حسين الحوثي بشكل إجباري على الطلاب، والمدرسين، وشيوخ القبائل وحتى أساتذة الجامعات !!
ومثل هذه الممارسات مثلت تهديدًا خطيرًا على مستقبل القبيلة حيث يسعى الحوثيون إلى جرف الهُوية الثقافية التقليدية القبلية القائمة على التعايش واحترام المواثيق والعهود ، وفي هذا السياق يقول الباحث والكاتب د. عادل دشيله :
((استخدم الحوثيون "وثيقة الشرف القبلي" التي تم إشهارها في 2015 وتنص على استباحة ومصادرة ممتلكات كل من يعارض الحركة، وقد تم تنفيذها بالقوة العسكرية وصرح رئيس ما يُسمى بمجلس التلاحم القبلي التابع للحركة بأن من لم يقاتل مع الحوثيين فسيتم إجباره على ذلك بالقوة ومن يرفض فسيتم استخدامهم كدروع بشرية تحت مُسمى الغرم القبلي :
والذي يعني أن كل شيخ قبيلة أو فرد من أفراد القبيلة يجب أن يقدم الدعم المالي وكذلك أحد أفراد أسرته للقتال مع الحركة)) انتهى .
واليوم تنقسم القبائل التي تقع تحت سيطرة الحوثيين إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول : البرجماتي ويشكل فئة كبيرة من القبائل، ويمكن أن ينقلبوا على الحركة الحوثية في أي لحظة ،وهذا القسم يقاتل مع الحوثيين من منطلق قومي قبلي حيث يستغل الحوثيون نخوة القبائل وعزتهم في مواجهة ما يسمونه بالعدوان .
القسم الثاني : هو القسم العقائدي الذي يدين بالولاء المطلق للفكر الحوثي وهذا القسم قتل أغلبهم خلال الحرب الماضية 2004-2010 وما بعدهما !!
القسم الثالث : يرسلون أبنائهم وأقاربهم للقتال في صفوف الحوثيين من أجل الحصول على بعض المكاسب مثل السلاح والمال والقوت الضروري،
وفي نهاية المطاف ستجد الحركة الحوثية الهاشمية نفسها وحيدة مثلما وجد قادة الإمامة أنفسهم وحيدين بعد خوضهم الحرب مع النظام الجمهوري المدعوم قبليا ولا يوجد حلفاء حقيقيين للحركة الحوثية سِوى اعتمادها على آلة البطش والتنكيل وإهانة القبائل.
وسيعتمد أي تغيير على إمكانية الصحوة القبلية التي قد تشعلها العنصرية التي تُمارسها الحركة الحوثية ضد القبيلة، حيث تنظر الحركة إليهم كعبيد سخرهم الله لآل البيت، بل تحاول تضخيم مفردات "السيد العلم" بين القبائل في إشارة لزعيم الحركة الحوثية، وهذه المفردات تجعل القبيلة تشعر بالعنصرية من قِبل قادة الحركة الهاشميين، بل إن الحركة تمارس العنصرية حتى في القبور حيث تقوم بتمييز قبور قادتها الهاشميين عن القبائل الذين يقتلون مع الحركة الحوثية في معاركها الدائرة. هذه النظرة الدونية للقبائل كفيلة بعدم استمرار الحوثيين بالتفرد بالحكم في هذه المناطق القبلية على المدى البعيد .وسيؤدي ذلك إلى انقسام القبائل بين أطراف النزاع، وستنقسم إلى فرق متناحرة، وسيتعرض النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي لخطر غير مسبوق، ليس على الشعب اليمني فحسب، ولكن على دول الإقليم قاطبة، وسيمتد هذا الخطر للسلم والأمن الدوليين مما يتوجب إنهاء هذا الوضع القائم عبر تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع في اليمن .