محمد خلفان يكتب:
أزمة إيران.. في إدارتها للأزمة
ليست هي الأولى، ولكنها الأزمة السياسية الأكبر التي يمر بها النظام الإيراني بسبب الاحتجاجات الشعبية الناتجة عن مقتل مهسا أميني على يد الشرطة الدينية الأخلاقية، بسبب عدم لبسها الحجاب، والتي قربت أن تكمل شهرها الأول. وتعتبر الأزمة الأكثر عنفاً والأشد مقاومة ومشاركة من الشعب، وقد تخللتها اعتداءات على المقرات الدبلوماسية في الخارج.
ردة فعل المؤسسات الأمنية التابعة للنظام الإيراني في التعامل مع كل أزمة داخلية تتلخص في أسلوبين اثنين. الأسلوب الأول: اتهام جهات خارجية بأنها تقف وراء الاحتجاجات، وفق ما يُعرف بنظرية المؤامرة ذائعة الصيت في منطقة الشرق الأوسط. وهي تفعل ذلك لتصدير الأزمة إلى الخارج، مع أن الأزمة الحقيقية تتمثل في عدم انتباه النظام إلى احتياجات الشعب الإيراني الحقيقية، من بطالة وفقر وتنمية، والتركيز بدلا من ذلك على دعم مشروعات تخريبية في الإقليم الذي يسلك خطاً مختلفاً في التعامل مع إيران وهو التركيز على التنمية والإعمار.
أما الأسلوب الثاني في تعامل النظام الإيراني مع أزماته، هو ردة فعل عنيفة على المحتجين من خلال رجال الأمن والميليشيات العاملة تحت إدارته، والتي أبدت نفس سوية العنف في مناطق أخرى تقع تحت سيطرة النظام الإيراني ومنها لبنان والعراق وسوريا، ولا تنتهي ردة الفعل هذه بإخماد الاحتجاجات المتكررة، بل يستمر النظام حتى بعد حصول الهدوء في حملات الاعتقال. ورغم كل العنف المستخدم يواجه النظام الإيراني أزمات جديدة يفجرها الشعب الباحث عن حياة كريمة.
التركيز على الأسلوبين لإدارة الأزمات المتكررة ومن ضمنها الأزمة الأخيرة، يؤكد على حالة التخبط في النظر إلى أساسيات الأزمات. كما أنه يستسهل هذه الأساليب، ربما لأنه عاجز عن الخروج منها، لأن العقلية التي تدير الأزمة ما زالت تعيش في بداية الثورة الإيرانية دون أن تدرك التغيرات الحاصلة. الطريقة المثالية هي مراجعة أسلوبها في إدارة الأزمة لأن ما تبثه وسائل الإعلام العالمية مما يتم من ممارسات يثير الغضب على النظام الإيراني.
ومع أن النظام الإيراني، وهو يمارس هذا القمع دون رحمة، يهدف إلى إسكات الإيرانيين نهائياً عن المطالبة بوقف هدر الأموال في مشروعات سياسية وعسكرية لا طائل منها سوى الفوضى وتأليب العالم ضدهم، إلا أنه لم ينجح. ففي كل مرة نجد الشعب يثور بقوة أكبر من المرة السابقة. وفي المقابل، لم يستخلص النظام العبر من تجاربه على مدى أكثر من أربعة عقود من بدء الثورة الإيرانية، وهو في كل مرة يتحول من خلاف إلى آخر مع جيرانه أو مع المجتمع الدولي ويبدد أموالا طائلة دون نتيجة، متناسيا أن الجيل الحالي ليس جيل الثورة، وأن الاهتمامات لم تعد كما هي، وأن حجم التأثير الإيراني في السياسة الإقليمية والدولية لا يتعدى الإعلام، بما فيها حزب الله اللبناني الذراع العسكرية الإقليمية الذي أيد الاتفاق الحدودي مع إسرائيل مؤخرا، رغم كل النزاعات التي خاضها بحجة تحرير القدس.
تجاهل مطالب الشعب والاستمرار في القمع، رغم أنها قواعد السياسة الإيرانية، لا تصلح في زمن الفضاء المفتوح. وإذا كان الهدف من قطع الاتصالات عبر الإنترنت من أجل حجب حقيقة ما يحدث داخل إيران عن العالم، فإن أساليب التوثيق من قبل الأجيال الجديدة تعددت. بل هم استفادوا من تجاربهم السابقة في كيفية التحايل على إجراءات النظام الذي لم يستوعب كيفية إدارة الأزمات المتكررة. المسألة تحتاج من النظام إلى الاستماع بذكاء للهموم الحقيقية للشعب الذي يفكر في العيش الكريم بدلاً من البرامج النووية والصواريخ الباليستية التي تهدر ميزانيات الدولة وتخلق لإيران عداوات مع جيرانها.
قلة هم من توقعوا أن يتكرر سيناريو تعامل الأجهزة الأمنية مع الاحتجاجات الأخيرة بنفس الأساليب السابقة، على الأقل من باب تحسين صورة النظام أمام شعبه بعد أن فشل في إقناع الشعب الإيراني بأن جيرانه يتآمرون عليه، بينما تشير كل مؤشرات التنمية إلى نجاح دول الجوار.
خابت توقعات جميع من تفاءلوا خيرا، حيث عاد النظام الإيراني لاستخدام العنف بدلاً من امتصاص غضب الشعب الذي يئس من أن يتغير النظام ليكون طبيعياً كباقي الأنظمة في العالم، وأن يهتم بشعبه، بدلاً من الاهتمام بمشروعات تصنع له الأعداء.