صالح القلاب يكتب:
لبنان... أحقاً أرزاته «عاجقين» الكون؟!
لا أجمل إطلاقاً من لبنان ولا أفضل من التعايش والتآخي مع أهله، فبإمكان كل نازح من بلده اللجوء إليه، إن بحثاً عن عمل يعتاش منه وإن هروباً من جور أحد أنظمة الانقلابات العسكرية التي كان ولا يزال أصحابها يصرون على أنها «ثورات».
وبالطبع فإنّ «بلاد الأرز» قد بقيت ذات تجارب مميزة تختلف عن جل الدول العربية، وبخاصة تلك التي يُصرُّ جنرالاتها أو «شوّاشها» وبالطبع قادة انقلاباتها على أنّ التذابح بينهم تباعاً هو ثورات هدفها الوحدة والحرية وهو توحيد الوطن العربي كله، وبالطبع فإنه لا بُدَّ من تحرير فلسطين وإلقاء الأعداء الصهاينة «الملعونين»!! في السجون والزنازين المظلمة ورفعهم على أعواد المشانق.
ومشكلة هذا الشعب اللبناني الطيب حقاً وفعلاً أنّ «قراراته» ودائماً وأبداً وقبل الاستقلال وبعده تأتيه من الخارج، فبداية من فرنسا ومن بعض الأطراف الأوروبية: «الداخلة على الخط»، ومرة أخرى من بعض الدول العربية التي كانت تصر وبعضها لا يزال على أنّ القرار، أيُّ قرار عربي، هو قرارها وبخاصة بالنسبة للدول «المسكينة» التي شعارها: العين بصيرة واليد قصيرة!!
ولهذا غير مستغرب إطلاقاً أن يفشل البرلمان اللبناني الذي هو واحد من أفضل البرلمانات العربية... على أي حال، في انتخابات رئيس جديد للجمهورية، والمشكلة حسب ما قيل ويقال، ورغم أن الشعب اللبناني يعرف الأمور كلها ولديه تجارب طويلة في هذا المجال، أن المشكلة هي عدم اكتمال النصاب المطلوب وهذا كان قد تكرر خلال أسبوعين متتاليين.
وحقيقة أن المشكلة هنا ليست في الشعب اللبناني وتوزعاته بين المذاهب والطوائف، وإنما في المتدخلين ن من الخارج... وهذه مسألة قديمة ويعرفها اللبنانيون كلهم ويعرفون أن بلدهم الجميل هذا بقي منذ «استقلاله» وحتى الآن يخضع لتدخلات خارجية... بعضها قد كان عربياً وبعضها كان من قبل من هبَّ ودبَ كما يقال!!
لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، يظن أنّ بإمكانه لملمة الشمل العربي الممزق والمزعزع وأن يكون قرار الأمة العربية بيده وحده، فكان قد مدّ يده في اتجاه مشرق الوطن العربي... وأيضاً في اتجاه مغربه وكانت النتيجة أنْ حصل ذلك الذي حصل، وحيث إنّ العرب قد تفرقوا أيدي سبأ كما يقال وأنه حتى الإسرائيليون قد مدّوا أيديهم في الأوضاع العربية التي لم تكن تسرُ الصديق... وأي صديق ولم تكن تغيظ العدا!!
والمعروف أنّ عبد الناصر من أجل تحقيق بعض ما أراده قد استنجد بـ«الرفاق» في الاتحاد السوفياتي الذي هو لم يكن عظيماً ولا هم يحزنون، والذي كان، أي الاتحاد السوفياتي، قد استنجد بكل من كان من الممكن الاستنجاد بهم لكن النتيجة كانت المزيد من خيبات الأمل، فالدول الاشتراكية ما لبثت أن «طلَّقت» ماركس... ولينين أيضاً والشيوعية من جذورها فأصبح هناك هذا الواقع الذي نراه الآن وغابت الراية الحمراء غياباً أبدياً وكاملاً وأصبحت هناك كل هذه الدول التي التحقت بحركة التاريخ المستجدة والجديدة!!
إن من فشل في انتخابات رئيس لبناني جديد وهذا كان قبل أن تكون هناك كل هذه التطورات اللاحقة... التي لا هي مفاجئة ولا هم يحزنون، ليس البرلمان اللبناني بل عدم اتفاق الأطراف السياسية الفعلية التي من المفترض أنها هي صاحبة هذا القرار، والمعروف وحسب الطريقة اللبنانية، التي هي جميلة على أيِّ حال، فإنّ عدد النواب الذين جاءوا لحضور الجلسة المطلوبة قد كانوا (71) نائباً من أصل (128) نائباً، لكن المشكلة هنا ليست في «النصاب القانوني» وإنما في امتناع بعض النواب عن حضور الجلسة المطلوبة مما أدى إلى تأجيلها... وهذا على الطريقة اللبنانية المعهودة!!
والمعروف أنّ صاحب القرار الفعلي بالنسبة لهذه المسألة هو «حزب الله» اللبناني الذي هو في الحقيقة حزبٌ إيرانيٌ وأنّ قراره بيد «الولي الفقيه» وأنه ليس لبنانياً بأي شكل من الأشكال وبأي طريقة من الطرق، وحقيقة أن مشكلة هذا البلد أن قراره... وتاريخياً ليس في يد أبنائه وإنما في أيدي القوى الخارجية المعروفة... التي يعرفها اللبنانيون كلهم... ويعرفها بعض العرب العاربة والعرب المستعربة!!
والآن وقد اختلط الحابل بالنابل في بعض دول هذه المنطقة فإنّ توزيع القوى قد أصبح مذهبياً وطائفياً وإلّا ما معنى أن تكون إيران، دولة الولي الفقيه، قد حققت كل هذا الاختراق الذي حققته تحت راية مذهبية وبإمكانيات هذه الدولة الإيرانية التي من الواضح لا بل المؤكد أن دوافعها ليست «شيعية» وإنما استعادة أمجاد قومية فارسية قديمة!!
وهذا كله يعني أنه يجب ألّا يغرق البعض في «المحرمات» وأن يكون اصطفافهم مذهبياً وذلك إنْ في هذا الاتجاه أو ذاك فالمستهدف هو العرب والأمة العربية، وهنا فإنّ عقلاء القوم يجب أن يرفعوا أصواتهم عالياً «يا نايم وحِّد الله»، وأنه يجب بالضرورة الانفتاح على الدولتين المجاورتين إيران وتركيا، فالمعروف أن التاريخ واحد والقيم واحدة وأنّ كتاب الله موحد وأنه يجب وبالضرورة التخلي عن بعض التعقيدات السابقة، فالعالم كله بات يعتبر موحداً وأنه يجب وبالضرورة أن يكون هناك وحدة اقتصادية... واجتماعية وحضارية بين العرب بصورة عامة وأشقائهم الإيرانيين والأتراك، وذلك لأن التاريخ مشترك ولأن اللغة متداخلة ولأن المسيرة الحضارية واحدة، ولأنه يجب وبالضرورة أن تكون الأمور الاقتصادية متكاملة، وهذا ينطبق على أمور متعددة وكثيرة وعلى دولٍ أخرى تربطها بهذه المنطقة علاقات متداخلة كثيرة.