حسن لافي يكتب:
"عرين الأسود" وحسابات الانتخابات الإسرائيلية
إن تكثيف هجمات "الجيش" الإسرائيلي ضد مجموعات "عرين الأسود" في نابلس؛ تلك الحالة العسكرية المقاومة التي تضم بين جنباتها مجموعة من الشباب الفلسطيني من كل التوجهات الحزبية والأيديولوجية، كشكل تنظيمي مغاير لما اعتادته الحالة الفلسطينية، وتنوع أشكال الاستهداف، سواء بالاغتيال الصامت أو بالاجتياح الصاخب، ذلك كله لا يمكن قراءته بعيداً من مناخات انتخابات الكنيست العاصفة داخل المعترك السياسي الإسرائيلي، وخصوصاً أنَّ الأمن يعدّ عاملاً رئيساً في حسم توجهات الناخبين في أي انتخابات داخل "إسرائيل"، لكونه يمثل إحدى ركائز المشروع الصهيوني برمته.
إنَّ ما يحدث من انتفاضة عسكرية وشعبية في الضفة الغربية لا يؤثر في توجه كتلة انتخابية واسعة تصل إلى أكثر من 750 ألف مستوطن داخل حدود الضفة الغربية، بل يتخطى ذلك إلى الشعور بفقدان الأمن والخوف من انتقال تلك العمليات الفدائية الفلسطينية إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، الأمر الذي يؤثر في التوجهات الانتخابية لكل الجمهور الإسرائيلي بشكل رئيس، والأخطر أنه يطرح علامة استفهام كبيرة حول وظيفة المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في توفير الأجواء المناسبة لإجراء تلك الانتخابات، كدلالة على حالة استقرار المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة واستمرارية قوته.
تزداد أهمية عامل الأمن مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، الأمر الذي لم يغب عن بال ساحر السياسة الإسرائيلية الداخلية وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي يتهم الحكومة الحالية بقيادة يائير لابيد وبيني غانتس بالضعف وعدم الخبرة في مواجهة التهديدات الأمنية، بدءاً من المشروع النووي الإيراني، مروراً باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وليس أخيراً تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، الذي يعدّ الأكثر تأثيراً في شعبية كل من لابيد وغانتس، لكون أي عملية فدائية فلسطينية نوعية معناها إثبات فشلهما في معركة توفير الأمن الإسرائيلي. لذلك، اعتمدت الحكومة الإسرائيلية السياسة الأمنية المتمثلة بـ"إطفاء الحرائق" فيما تبقى من أيام للانتخابات، كما كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل.
من الواضح أنَّ مصلحة الحكومة الإسرائيلية السياسية تتقاطع مع مصلحة "الجيش" الإسرائيلي المهنية في منع تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية. لذلك، يعد استهداف مجموعات "عرين الأسود" عنواناً مهماً للحكومة الإسرائيلية لحفظ الأمن ومواجهة العمليات الفدائية الفلسطينية، لما تحظى به مدينة نابلس من أهمية جغرافية وأمنية وسياسية، وخصوصاً أنها محاطة بشبكة كبيرة من المستوطنات والطرق الاستيطانية الالتفافية التي يسهل تنفيذ عمليات فدائية فيها ضد المستوطنين وقوات "الجيش" الإسرائيلي، كما حدث خلال الأسابيع الماضية.
أضف إلى ذلك صعوبة وصول المستوطنين إلى قبر يوسف لممارسة شعائرهم التلمودية بكلّ ما يحمل ذلك من ضرب للرمزية الاستيطانية الدينية لدى شريحة واسعة من المستوطنين المتطرفين.
أدرك "الجيش" الإسرائيلي أنَّ استهداف مجموعات "عرين الأسود" بفعل هجومي يتطلَّب اتخاذ خطوات دفاعية مسبقة تحول دون حدوث رد فعل قوية من المجموعات، كي يتحقق الهدف الأمني والسياسي من وراء الهجوم، الأمر الذي يفسر الحصار المفروض على مدينة نابلس وإغلاق مداخلها بالسواتر الترابية منذ أكثر من أسبوعين، ووصول عدد كتائب "الجيش" الإسرائيلي العاملة في الضفة إلى 26 كتيبة، بعدما كانت 13 كتيبة فقط، كرهان إسرائيلي على أنّ ذلك يصعب من تنفيذ مقاتلي العرين عمليات هجومية على المستوطنات المحيطة بنابلس، ومن ثم استخدمت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أسلوب الاغتيالات الصامتة، من دون الإعلان الرسمي عن مسؤوليتها، كأسلوب تحرك هجومي أوسع ضد مجموعة "عرين الأسود"، وذلك في إطار السعي لتحقيق عدة أهداف، أهمها:
أولاً، خلق أجواء أمنية ضاغطة على كوادر "عرين الأسود"، بحيث يفقدون الشعور بالأمن داخل البيئة الحاضنة لهم، الأمر الذي يفسر سحب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية 164 تصريح عمل في الداخل المحتل من أقارب كوادر مجموعات "عرين الأسود"، كرسالة أمنية إسرائيلية بأن هوية تلك الكوادر معروفة لديهم.
أضف إلى ذلك الطريقة التي تم استهداف الشهيد الكيلاني بها من خلال عبوة ناسفة مخبأة في دراجة نارية، تم وضعها في طريقه داخل أزقة البلدة القديمة، مع تأكد واضعها أنّ عملية التفجير ستكون مصورة عبر الكاميرات الموجودة في المكان، الأمر الذي سيزيد تأثير عدم الشعور بالأمن لدى المقاومين، ويحاول إثارة الفتنة وزرع الشكوك بين الجسم التنظيمي (عرين الأسود) من جهة والبيئة الحاضنة والجسم نفسه، وخصوصاً مع تغذية ذلك من إعلام إسرائيلي موجه استخباراتياً.
ثانياً، محاولة "إسرائيل" إرسال رسالة ردع إلى قيادة "عرين الأسود"، وللمقاومة في الضفة الغربية، الأمر الذي يستشفّ من تركيز الإعلام الإسرائيلي على مسؤولية الشهيد الكيلاني عن محاولة تنفيذ عملية إطلاق نار كبيرة في مدينة يافا المحتلة، وكأنَّها تؤكد أنها لن تتردد باغتيال كل من يحاول العودة إلى العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
في المحصّلة، تسعى "إسرائيل" وأجهزتها الأمنية إلى أن يصبح الهاجس الأكبر لمجموعات "عرين الأسود" وكل كتائب المقاومة في الضفة الغربية حماية نفسها من الاغتيالات والملاحقة، من خلال انكفائها إلى الأساليب الدفاعية الأمنية من أجل توفير الأمن الشخصي لها، وبالتالي إشغالها عن التفكير بتنفيذ عمليات هجومية جديدة، الأمر الّذي تعتقد "إسرائيل" أنه سيمنحها الاستقرار الأمني الذي تحتاجه لتمرير فترة انتخابات الكنيست الاسرائيلية، متناسيةً أن شباب كل مدينة وقرية فلسطينية باتوا مؤهلين لتنفيذ عمليات فدائية تربك كل الحسابات الأمنية الإسرائيلية