د. بهروز بويان يكتب لـ(اليوم الثامن):
الثورة الديمقراطية وبين نظامي الشاه والملالي
إن أي انتفاضة شاملة تؤدي من الناحية النظرية إلى ثورة، فهي من حيث المبدأ لا تفتقر إلى الرصيد التاريخي، أي أنه قد تم مسبقًا تشكيل قوة ثورية، وهي الدافع والضامن لاستمرار وانتصار تلك الانتفاضة الثورية. فضلًا عن أن الانتفاضة دائمًا ما تندلع فور حدوث حدث ما أو ما يسمى بالشرارة. وقد تتمثل هذه الشرارة في مطلب ما يتعلق بالحياة المعيشية أو السعي لنيل إحدى الحريات الأساسية. إلا أنه لا يمكن على الإطلاق الحط من قيمة تلك الانتفاضة الثورية التي تحمل في طياتها العديد من المطالب واختزالها إلى طبيعة تلك الشرارة الأولية. وكما حدث في الثورة الفرنسية، عندما أشعلت العاملات شرارة الانتفاضة في باريس، لم يسمي أحد تلك الثورة بالثورة العمالية أو الثورة النسائية.
كما أنه فيما يتعلق بالانتفاضة الإيرانية الأخيرة، نجد أنه على الرغم من أن شرارة الانتفاضة اشتعلت نتيجة لقتل مهسا أميني بطريقة وحشية، إلا أنه من غير الممكن أن يُعزى مضمون الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني إلى قضية الملبس الاختياري، والذي يُعدُّ واحدًا من الحريات الأساسية العديدة للمواطنين، أو يُعزى إلى النوع الاجتماعي.
إذ أن هذا الانتقاص إما أنه ناجم عن الجهل أو أنه مُغرِض ومخادع تمامًا لتضليل الانتفاضة عن هدفها الكبير والأساسي، وهو الثورة الديمقراطية. وحتى الآن، نجد أن كل جهود نظام الملالي وحيله في هذا المجال، وبهذه الطريقة التي نفَّذت بها القطعان السيبرانية، وقنوات الشاه والملالي المتلفزة المخطط الرجعي – الاستعماري؛ لم يكن لها أي تأثير مصيري على اتجاه الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني.
كما أن العمل الجوهري والشامل في جميع أنحاء إيران هو نفس الاستراتيجية التي تتبناها وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية التي تُعدُّ الظهير التاريخي للثورة الديمقراطية للشعب الإيراني. استراتيجيةٌ قائمة على مبدأ “لا يفل الحديد إلا الحديد”، وجعلتها وحدات المقاومة، في السنوات الأخيرة، نموذجًا للعمل الثوري في الانتفاضة بالقيام بالعمليات اليومية.
وعلى قدم المساواة مع العمل الثوري، نجد أن الشعارات أيضًا لها أهمية مصيرية في الانتفاضة. إذ تحدد الشعارات مضمون الانتفاضة واتجاهها والغرض منها. ففي واقع الأمر، من شأن شعارات الانتفاضة أن تجعل الإجراءات أكثر راديكالية وثورية، أو على العكس من ذلك، قد تخفِّف من نار الانتفاضة الثورية، وتقلل من راديكاليتها.
والجدير بالذكر أن تركيز نظام الملالي وتوأمه التاريخي، أي فلول نظام الشاه المقبور، منذ بداية الانتفاضة، على الشعارات من خلال القطعان السيبرانية، والقنوات المتلفزة الخاضعة لسيطرتهما، بغية نزع فتيل الأعمال الثورية للانتفاضة، والتي تقوم على استراتيجية “لا يفل الحديد إلا الحديد”، والحط من قيمتها واختزالها إلى “حركات احتجاجية”، وتراجع المجتمع عن الاستمرار في الانتفاضة في نهاية المطاف؛ وذلك بتضليل المتظاهرين عن المطلب الأساسي لإسقاط النظام؛ ليس من فراغ.
وفي غضون ذلك، لايزال الملالي وفلول نظام الشاه يتشبثون بإحدى حيل جبهة الشاه والملالي، مثلما كشفت المقاومة الإيرانية النقاب عنها في وقت سابق، على الرغم من أنها حيلة مترهلة وعفى عليها الزمن، وهي التظاهر بأن المجتمع الإيراني يريد العودة إلى الماضي، أي إلى ديكتاتورية الشاه.
ولحسن الحظ، نزع شعار “الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد” فتيل هذه الحيلة، منذ بداية الانتفاضة، وواصلت الانتفاضة مسار استراتيجيتها الثورية بهذا الشعار الذي يُعتبر شعارًا استراتيجيًا. وتجدر الإشارة إلى أن شعارات “الموت للديكتاتور” و”الموت لـ خامنئي” من بين الشعارات التي حافظت على راديكالية العمل الثوري في الانتفاضة الثورية للشعب الإيراني،
ولكن شعار “الموت للظالم سواء كان الشاه أو المرشد” ينطوي على طابع إستراتيجي في هذه الانتفاضة، نظرًا لأنه يتضمن الشعارين السابقين، فضلًا عن أنه يتسم برفض أي نوع من الديكتاتورية في تاريخ إيران، بما في ذلك ديكتاتوريتي الشاه والملالي. وبالإضافة إلى ذلك، ينطوي هذا الشعار على الجوانب الإيجابية أيضًا، أي خطة المطالبة المحددة بعد الإطاحة.
والجدير بالذكر أن إحدى مشاكل الثورة المناهضة للشاه بشكل عام هي أن المواطنين كانوا يعرفون تمامًا ما لا يريدونه؛ لأنهم تخلصوا منها وألقوا بها في مزبلة التاريخ برفع الشعارات المناهضة لها، بيد أنهم لم يكن لديهم خطة سياسية محدَّدة. وعلى الرغم من أن الحرية كانت من بين الشعارات المهمة للشعب، إلا أن البرنامج السياسي الذي يمكن تحقيق الحرية في كنفه لم يكن موجودًا من وجهة نظر المجتمع برمته.
ولهذا السبب عندما عرض خميني بكل عبثية خياره الوحيد المرغوب فيه على المجتمع، أثناء استفتاءه الاحتيالي؛ لم يقدِّم أي تفسير حول مضمونه. إلا أن الشعار الذي يرفض اليوم أي نوع من الديكتاتورية، بما في ذلك ديكتاتوريتي الشاه والملالي، يحدِّد في واقع الأمر إلى جانب شعار “الحرية، الحرية، الحرية” الذي يُسمع في كل مكان؛ الرؤية المستقبلية لما بعد الإطاحة أيضًا، ولا ريب في أن هذه الرؤية المستقبلية من الممكن أن تكون إرساء جمهورية ديمقراطية ليس إلا، نظرًا لأن المطالبة بالحرية والمساواة والديمقراطية، ورفض أي شكل من أشكال الديكتاتورية لا يمكن تحقيقها إلا في كنف هيكل سياسي في شكل جمهورية ديمقراطية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الهيكل، أي الجمهورية الديمقراطية، التي وضعت المقاومة الإيرانية التي تُعتبر ظهيرًا للثورة الديمقراطية الإيرانية؛ خطتها منذ سنوات عديدة، بوصفها بديل نظام ولاية الفقيه؛ من الممكن إرساؤها.