د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
ماذا بعد سلاح الملالي النووي (3-3)
يجهل الغالبية العظمى من قراء العربية ماهية النظام الإيراني وحقيقة ما يجري في إيران من مآسي، ليس ذلك فحسب بل وقع البعض منهم منخدعا بنظام ملالي إيران وشعاراتهم المخادعة وانبرى متنصلا من ذاته منصهرا مع هذا النظام الذي يستخف به ويمتصه ولا ينظر إليه إلا كوسيلة من وسائل بلوغ الغايات.
ماذا بعد سلاح الملالي النووي
ورثت ما تسمى بجمهورية الملالي الإسلامية بنية تحتية عظيمة لمشاريع نووية سلمية، وأصبحت هذه المشاريع ضمن المخططات الداعمة لتصدير الإرهاب وهو ما يسمونه بتصدير الثورة، وقد حجمت حرب الملالي على العراق من أنشطتهم وتوجهاتهم بهذا الخصوص، وما أن فرغوا من مغامراتهم مع العراق حتى باشروا في مخططاتهم النووية مستفيدين من تفتت الإتحاد السوفياتي وانفلات الأوضاع في دوله السابقة التي باتت في أوضاع لا تمكنها من السيطرة على مقدراتها أي كان نوعها نووي وغير نووي ما مكن النظام الإيراني من تحقيق ما يصبو إليه واليوم وبفضل سياسة المساومة والإسترضاء التي اتبعها الغرب معه بات يتربع على بنية تحتية نووية تمكنه من تحقيق غاياته على المديين القريب والبعيد، لكنه أي النظام الإيراني الذي يمضي قدما في مخططاته من أجل تركيع دول المنطقة بواسطة قدراته الصاروخية والنووية وميليشياته العميلة قد تناسى وضعه الداخلي وأهمل أمرا مهما وهو إنه وإن تمكن من تركيع العالم بأكمله فلن يستطيع ترميم أوضاعه الداخلية التي تتآكل يوما بعد يوم في تعاظم دور مجاهدي خلق بالداخل وكذلك تعاظم رفض وكراهية الشعب الإيراني له وهنا لن تجدي صواريخه وقنابله نفعا ولن تمنحه مزيدا من الحياة؛ فنظامه الذي انتهى عمره الإفتراضي، وتنخره اللصوصية والمفاسد والجريمة الرسمية وجرائم القتل القانوني تحت مسمى الإعدام لا يمكنه أن يعمر طويلا؛ فهل تعتقدون أن في سلاحهم النووي سوى الوهم والخراب والدمار، ومن يرد الحقيقة فلينظر إلى حال الشعب الإيراني والشعب العراقي وباقي شعوب المنطقة.. أو ينظر إلى الدمار الذي أحدثه في فلسطين بين الأشقاء.
الدين والحجاب في المدرستين مدرسة الملالي ومدرسة مجاهدي خلق
سادت في الدولة الإيرانية بالقرنين الماضيين مدرستين دينيتين كانت إحداهما الأقوى وهي مدرسة الملالي الميكافيلية التي دأبت على محاباة السلاطين ودعمهم وتقبيل أياديهم وتعزيز طغيانهم ولم استتب الملك والسلطان لمدرسة الملالي هذه باتوا يبحثون عمن يقبل أياديهم ويتخضع لهم ويعزز سلطانهم كما كانوا يفعلون لأسيادهم من قبل، وتقوم هذه المدرسة على عدة أركان منها:
- الإستغلال والعنف والتسلط وفرض وجودهم بالقوة كحقيقة مطلقة.
- الإكراه في الدين والمعاملة ومن مظاهر ذلك الإكراه في العبادة كما هو متبع مع الأقليات الدينية والمذهبية في إيران، والملبس، والحجاب الذي أصبح اليوم أكبر أزمات النظام فالكثير من نساء الشعب الإيراني لا يرفضن الحجاب بل بات الأمر تحديا منهن للنظام الذي يرفع شعار الدين ولا يصون الحرمات ولا يتحلى عناصره بقيم وأخلاق الدين ولا يقيم عدل الله باعتراف رموز النظام أنفسهم فأي دين هذا الذي يرفعون شعاره .
- نشر العنصرية والطائفية وفكر الجاهلية.
- محاربة الوطنيين من ذوي الفكر الوسطي المعتدل.
- تحويل الدين والمذهب الجعفري وشعار الموالاة لآل بيت النبوة (ص)كوسيلة من أجل بلوغ غاية السلطة والتمكن الأبدي منها من خلال ما يسمونه بتصدير الثورة واخضاع المنطقة والعالم لهم.
- إتباع سياسة الخديعة وشراء الذمم مثلما كانت ذممهم وضمائرهم قابلة للشراء في عهد أسيادهم الذين سبقوهم في التسلط.
- تسخير شعار وأدوات الدين لقمع وقتل المعارضين وإهلاك الحرث والنسل كفتوى خميني بإبادة مجاهدي تلك الفتوى التي لا تتماشى مع الإسلام بكل مذاهبه وأولها المذهب الجعفري.
- محاربة علماء الدين الحقيقيين المعتدلين الذين يهددون وجودهم وتشويه سمعتهم.
- ملاحقة وقتل خصومهم في الرأي داخل وخارج إيران وتشويه سمعتهم دون إكتراث بأدنى الروادع والقيم والأعراف.
- استخدام المال المنهوب مع شعار الولاء لآل بيت النبوة (ص) لتضليل وخداع الشعوب وإدخال بدع وقصص وروايات لتخدير وتسخير الدهماء والسذج من الشعوب لخدمة مخططاتهم الشريرة...
أما المدرسة الأخرى وهي مدرسة الإعتدال والوسطية الدينية التي تنتمي إليها منظمة مجاهدي خلق وقامت استنادا إليها بعد قراءات ومحاكات للواقع وحقيقة الدين الإسلامي المحمدي الحنيف حيث قامت منظمة مجاهدي خلق على أساس رفض الموروثات الخاطئة والتشويه والإستغلال المشينين والسائدين بحق الدين والقيم والولاء لآل بيت النبوة (ص) وتستند مدرسة مجاهدي على القيم التالية:
- لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.
- أن قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والسلام والتعايش هي القيم الرئيسية للإسلام.
- أن الناس سواسية فإنهم إن لم يكونوا إخوة في الدين فنظراء في الخلق والكل لآدم وآدم من تراب.
- أن الإيمان مصدره الإدراك والدعوى بالحسنى من منطلق وأدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.
- لم يقم الإسلام على الجاهلية بل قبرها وقام على أنقاضها وحارب كل جاهلية لذا لا يمكن للإسلام أن يعود للجاهلية أو لأعرافها كي ينمو ويستمر في الوجود عليها ومن هنا تتوجب محاربة اي قيم جاهلية؛ فقد كرم الإسلام الإنسان وكرم الله الإنسان بكرامة الروح التي هي من الذات الإلهية ونعمه بالعقل الذي يبين الرشد من الغي.
- أن محبة آل بيت النبوة (ص) والولاء لهم أمر لا يمكن عزله عن الأسس السليمة للدين ولا يمكن أن يقوم على الخديعة والقصص والأباطيل والفتن والخرافات والتشويه وإساءة الآداب وإنما يقوم على الحقيقة والإنتماء السليم الصادق لله ولرسوله وكتابه والإتباع الصحيح السليم لآل بيت رسول الله (ص).
- أن آل بيت النبوة (ص) نبراسا منيرا في العقيدة والقيم والأخلاق والتسامح والمحبة والسلام والتضحية والإيثار والثورة على الباطل والنهوض بسبل الإصلاح؛ آل البيت ثورة رشيدة ونهضة سديدة فيها تتأسى النساء وتقتدي بالسيدة زينب في ثورتها وصبرها وصمودها وحفاظها على بقايا آل بيت رسول الله (ص) ، ويتأسى ويقتدي الرجال بالإمام الحسين (س) في الإيمان الراسخ والأخلاق والتسامح ورفض الباطل جملة وتفصيلا بكل وضح وبيع الدنيا من أجل الحق والترحيب بالموت نجاةً من عار الباطل، وفي مدرسة الحسين فلسفة إنسانية أبدية إلى يوم الدين بقوله "أيها الناس إن يكن لكم دين وكنتم لا تخافون الميعاد فكونوا أحرارا في دنياكم"، ومن هنا فإن هذه المدرسة وامتداداتها ترى بأن كل يوم للاحرار هو ثورة للحق على الباطل وكل أرض تقوم فيها تلك الثورة هي أرض مباركة.
- أن الدين قد جاء لنصرة وإعلاء كلمة الحق على الباطل وتعزيز قيم الإنسانية وصيانة كرامة البشر وحقوقها وقد جاء الإسلام دين الحق بالقرآن الكريم تبيانا لكل شيء؛ ومن هذا المنطلق فإن أدوات إعلاء الحق وصيانة دين الله وعباد الله قد بينها القرآن الكريم وبينتها سيرة نبيه المصطفى (ص) ومنهج آل بيته والخروج عن ذلك تشويه للدين والحقائق والقيم وهدم للمجتمعات.
- تبين هذه المدرسة أن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة مبدءا مرفوضا تماما فالإسلام دين ثوابت وليس دين أهواء.
- تبين هذه المدرسة أيضا أن القيم النبيلة والمثل العليا التي جاء بها الإسلام المحمدي الأصيل تستحق التضحيات الجسام لذا آثر رواد وأبناء هذه المدرسة استمرار التضحيات من أجلها حتى النصر بدلا من الركون للظالم ونهجه وبغيه...
الحجاب مثالا في المدرستين:-
تقر المدرسة الأولى مدرسة ملالي السلطان ورحم الله الدكتور علي الوردي إذ أسماهم بوعاظ السلاطين : تقرأن كل شيء فرضا واجبارا وأن الحجاب فرضا واجبارا وتحاول من خلال حجة فرض الحجاب إلى إذلال النساء والفتيات وبالتالي ترويع وإرهاب المجتمع بأسره، ويتجاهل الملالي بأنهم هم أنفسهم المسبب لما وصل إليه المجتمع الإيراني المحافظ من تدهور إجتماعي مريب فالغالبية العظمى من المجتمع اليوم لا تريد الدين ولا العقيدة المتأتية من مدرسة ولاية الفقيه، ويتهم نظام ولاية منظمة مجاهدي خلق بأزمة الحجاب في المجتمع متناسيا كعادته أن أعضاء مجاهدي خلق من النساء من الصغار والكبار ملتزمين بالحجاب إلتزام عقيدة وفكر وقيم لكن المنظمة لا تفرض على أنصارها أي نوع من الفكر أو العقائد لذا فإن الدين والعقيدة مصانين غير مشوهين عند مجتمع مجاهدي خلق والأمر ليس ذلك فحسب بل هم قدوة يسترشد العقلاء بهم؛ لكن هذا النظام كعادته لابد وأن يعلق فشله وترديه على غيره، وهو من يتحمل المسؤولية عن التردي العقائدي الكامل في المجتمعين الإيراني والعراقي على حد سواء.
أما المدرسة الثانية: فتقر بأن الحجاب جزءا لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية وفق الثوابت القرآنية "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" و " أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وفي هذه المدرسة لا إجبار ولا إكراه بل هناك فهم وإدراك تام بالفكر والعقائد والفرائض والسبل والأدوات، والدعوة فيها بالتثقيف والتنمية الفكرية العقائدية والترغيب المباشر في بعض الحالات لما في ذلك من منفعة للبشر، والترغيب غير المباشر في حالات أخرى ويترك الأمر بعد ذلك للإنسان بعد أن تبين الرشد من الغي، ولذلك نجد أن شعار "لا إجبار .. ولا إكراه" الذي ترفعه هذه المدرسة مدرسة مجاهدي خلق شعارا يلقى ترحيبا واسعا من كافة فئات الشعب ويلقى قبولا كبيرا في الأوساط الإسلامية المعتدلة، واليوم أصبحت هذه المدرسة الثانية مطلبا ملحا للخلاص وإصلاح وإنقاذ المجتمع والدين والعقائد.
الملالي والمجتمع الإيراني بعد ٤٣سنة من تشويه الدين
في مجتمع محافظ تعتلي السلطة فيه ثلة من الثيوقراطيين بشعارات براقة رنانة وفي دولة عالية القدرات يُفترض أن تكون الأوضاع مثالية للغاية وأن النهضة في إيران لا تضاهيها نهضة وأن القيم والأخلاق والتدين والعقائد كل في مكانه الصحيح النقي السليم المتنامي؛ لكن الأمر على العكس تماما ولا عجب في ذلك فماذا يمكن توقعه من سلطة تسرق ثورة ثم تستبيح كرامة ومقدرات شعب بأسره، ثم تفتري على الله كذبا من أجل السلطة ثم تستخف بالروح وبالكرامة الإنسانية، الحال في إيران اليوم لا تخفى على أحد (تدهورا اقتصاديا مروعا – فسادا وسرقات ونهب على أعلى المستويات – تدهور إجتماعي صادم في مجتمع محافظ بطبيعته – تشويه كبير للدين والعقيدة وصل إلى حد إلحاد الكثيرين في إيران والعراق وكرههم للدين بسبب نظام ولي الفقيه – انتشار الرذيلة والفاحشة – سجناء ومعدومين بالملايين – هروب الملايين إلى المجهول خارج البلاد – موت أبناء الشعب الإيراني في حروب خارج إيران لا ناقة له فيها ولا جمل - قطيعة وعزلة دولية خانقة يدفع ثمنها الشعب الإيراني... إلخ...)
النساء يسقطن الملالي بعمائمهم
المرأة في المجتمع الإيراني لصيقة جدا بعائلتها محبة لهم مضحية من أجلهم فحتى إن تزوجت وخرجت إلى بيت الزوجية تبقى تشعر بالمسؤولية الشديدة تجاه عائلتها وذويها وتكون شرسة شجاعة في دفاعها عنهم، وتلك الصفات التي تتحلى بها المرأة تجاه أسرتها هي ذات الصفات والروابط التي تتحلى بها تجاه مجتمعها ووطنها، وقد شهدت الثورات الإيرانية التاريخية على ذلك، وهذا ما يخشاه النظام الإيراني من المرأة حيث يدرك الملالي أن نهايتهم ستكون على يد المرأة بسبب شدة ظلمهم لها تحديدا، وكذلك لمجتمعها، وكما يقول المثل (من يخشى عفريتا ظهر له) فالمرأة الإيرانية اليوم تمثل الكابوس الذي يقض مضجع علي خامنئي ونظامه، وتعد أزمة تحدي النساء الإيرانيات لفرض الحجاب اليوم مثالا صادقا على رفض المرأة والمجتمع الإيراني لنظام ولاية الفقيه وعزم المرأة على المواجهة، وقد ثبتت الأيام والتجارب عجز النظام الإيراني عن مواجهة هذه الأجيال الجديدة وستكون أخرته على أيديهم بعد تعميق منظمة مجاهدي خلق لنضالها النوعي في الداخل من خلال وحدات المقاومة التابعة لها والتي توجه العديد من الضربات النوعية للنظام في عقر داره؛ وبات الملالي يدركون تمام الإدراك أن نهايته الحتمية ستكون على يد النساء اللواتي سيسقطنهم من على عروشهم بالقباقيب وسيعلقنهم من عمائمهم في الشوارع وهذا دين قصاص واجب على الملالي ولابد من سداده؛ وفي النهاية فجر الحقيقة لا محالة مشرقٌ ولابد لليل الإدعاء أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، وهنيئا لأهل الصدق بصدقهم وتعسا للباطل وإن علا.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي