د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

رجاءً من أهلنا في الأرض المحتلة عام 48

كل التحية والتقدير والمحبة والاحترام لأهلنا الصِّيدِ الكرام، الشُمِّ الأباةِ، الشجعان الكُماةِ، الصامدين في أرضهم، الثابتين على مواقفهم، المتمسكين بحقوقهم، القابضين على جرحهم، والصابرين على ألمهم، الذين حافظوا على أرضهم وثبتوا فيها، وتمسكوا بها وعمروها، وضحوا في سبيلها وقدموا أرواحهم من أجلها، فحافظوا بوعيهم وعلو همتهم، وأصالتهم وصدق وطنيتهم على هويتهم الفلسطينية ولغتهم العربية ودينهم الإسلامي والمسيحي، وعمروا بأنفسهم وحياة أجيالهم مساجد فلسطين وكنائسها، وعَلَّوا مآذنها ورفعوا أجراسها، وصبغوا بعراقة انتمائهم وأصالة نسبهم أرضهم بالصبغة الفلسطينية والهوية العربية.

 

كل التحية لأهلنا في الأرض المحتلة عام 48، في الناصرة واللد، وفي الرملة والخضيرة، وفي حيفا ويافا وعكا، وفي العفولة وسخنين، وفي كفر قاسم وكفر كنا، وفي أم الفحم وقلنسوة وجت، وفي عموم أرضنا الوطنية الفلسطينية، الناطقين بالعربية، والمحافظين على لهجاتها وعاداتها، والمتمسكين بقيمها وتقاليدها، والحريصين على حجابها، والمفاخرين بأثواب مدنهم التراثية، اللافتة الأنظار بألوانها الزاهية، وتطريزاتها الجميلة، والمميزين بسحناتهم السمراء التي لوحتها شمس فلسطين الساطعة.

 

فضلُ أهلنا في الأرض المحتلة عام 48 على الشعب الفلسطيني عموماً فضلٌ كبيرٌ، ولهم علينا دينٌ غير يسيرٍ، فقد تحملوا أكثر من غيرهم وأعطوا أفضل من سواهم، وبقوا في أرضهم راسخين كصخرة، وثبتوا فيها كالجبال عُلُّواً ورُسوَّاً وفي الأرض عمقاً، وتصدوا لكل سياسات الاحتلال العنصرية وواجهوها، وكانوا خير سندٍ لشعبهم الفلسطيني في كل مكان، وساهموا في صمود أهلهم في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وكانوا أول الثائرين من أجل القدس ودافعاً عن المسجد الأقصى المبارك، وأكثر المرابطين وأكرم الناس في البذل والعطاء، وأسرعهم في النصرة والمساعدة، وأصدقهم في النخوة والمروءة.

 

أحببنا أهلنا في الأرض المحتلة عام 48، وتعلقنا بهم وعلقنا عليهم آمالا كبيرة، وقد رأينا منهم ما يسرنا ويسعدنا، رغم أن بعضاً من شعبنا وأمتنا العربية قد أساؤوا فهمهم قديماً ولم يحسنوا إليهم، وظنوا فيهم سوءً وخالوهم شراً، إلا أنهم كانوا أكثر أصالة من أن ينقلبوا على شعبهم ويتنكروا لأمتهم، وأثبتوا لهم مع الأيام وبالتجارب العملية أنهم أكبر من الظن السيء، وأنهم طهرٌ صادقٌ وعملٌ مخلصٌ وثباتٌ راسخٌ.

 

ولعلهم بمواقفهم الوطنية أغاظوا العدو وأربكوه، فقد انتفضوا مع أهلهم، وثاروا مع شعبهم، وغضبوا لأجله وهبوا لنجدته، وما مواقفهم الأخيرة المناصرة لأهلنا في القدس وحي الشيخ جراح، ورباطهم في الليل والنهار في باحات المسجد الأقصى، وغضبتهم الوطنية إبان حرب سيف القدس عام 2021 وغيرها، لهي خير دليل وأصدق برهان على أنهم أمناء على الوطن، ومخلصون للشعب، وصادقون في حمايته والدفاع عنه، ومقدامون في التضحية والفداء وفي البذل والعطاء.

 

أردت بهذه المقدمة التي هي دون حقهم وأقل من فضلهم، ولا تكفي لشكرهم، أن أتقدم إليهم برجاء، وأن ألتمس منهم التفهم والقبول، عندما يلقاهم أحد في المطارات أو خلال سفرهم وتجوالهم، ويسألهم عن جنسيتهم أو المكان المتوجهين إليه، ألا يصدموهم ويقولوا لهم أنهم من "إسرائيل"، وأنهم متوجهون إلى "تل أبيب"، فهذه الكلمات رغم علمنا أنهم لا يقصدون شرعيتها ولا يؤمنون بها، وأنها ليست إلا للتعريف وتحديد الوجهة، فنحن لا نشكك فيهم ولا نقلل من صدق انتمائهم وأصالة وطنيتهم، إلا أن هذه الإجابات العفوية تزعج السائلين، وتقلق العرب المتضامنين، كما أن كلماتهم تثير حفيظة أطفالنا، وتدفعهم للسؤال والاستغراب، وهم الذين يشعرون بشرف الانتماء إلى هذا الشعب العظيم، الذي يعيش في أتون النار وفي قلب العاصفة، ويتحدون بإيمانهم ووطنيتهم صلف الاحتلال وعدوانه.

 

يشعر العدو الإسرائيلي بالزهو والفرح وهو يسمع الفلسطينيين وهم يجيبون السائلين عنهم أنهم من "إسرائيل"، أو أنهم متوجهون إلى تل أبيب، خاصة أنهم يتكلمون العربية ويجيبون السائلين العرب الفرحين برؤيتهم والحديث معهم، لكنهم يتوقعون منهم إجابةً أخرى تفرحهم وتسعدهم، وتشعرهم بعمق الرابطة معهم، ووشائج القربى وإياهم، ويكون الأمر أشد سوء وأكثر وجعاً عندما يسمعونهم يتحدثون مع بعضهم البعض باللغة العبرية، بينما هم عربٌ أقحاحُ، ويجلس بالقرب منهم عرب وفلسطينيون.

 

أهلنا وأحبتنا يا تاج الرؤوس وفخار الأهل، يا مهجة القلب وقرة العين، هذا ما نريده منكم رجاءً وليس أمراً، وطلباً وليس قسراً، فمثلكم يأمر ويُطاعُ، ويقول فَيُسمعُ، ويطلب فَيُجابُ، أاعلموا إننا نحبكم، ونحب أن نرى ترجمان عزكم ولسان فخركم، بلسان عربي مبين، وبعالي الصوت وشموخ الرأس وعزة الانتماء، تجيبون كل سائل أياً كان، الأجنبي قبل العربي، والإسرائيلي قصداً وعمداً قبل الفلسطيني، ليشعروا أنكم أبداً لم تنسوا ولم تفرطوا، ولن تساوموا أو تتساهلوا، وأن الجواز الذي تحملونه قهراً، والجنسبة المفروضة عليكم غصباً، لن تمنعكم أبداً من الانتساب إلى الأصل والحنين إلى تحرير الأرض واستقلال الوطن ولَمِّ الشملِ وجمعِ الكلمة، وعودة الشعب وفرحة الأهل، ورحيل العدو وزوال الاحتلال.

ألفُ تحيةٍ وسلامٍ لكم أيها الشعب الأجلُ مكانةً والأعظم منزلةً........