د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
النكتة السياسية العربية وسيلة لجلد الخصوم !!
النكتة السياسية العربية وسيلة فعالة لجلد الخصوم وهي في الوقت نفسه " شر البلية ما يضحك " كما ستظل مقياساً مهماً للمزاج العام، وربما تلعب دوراً ما في مستقبل ما حين تتحوّل إلى تعبير عن درجة من درجات الرضا. أبطالها الحكام والمحكومون على قدم المساواة، وهي مساواة يندر وجودها على أرض الواقع العربي.
والواقع السياسي العربي يقف على طرفَي نقيض من النكتة العربية السياسية. فمن ضيق السياسة إلى براح التنكيت، ومن مخاوف التعبير المحسوب بالملليمتر إلى مساحات الكوميديا التي لا تحدها إلا السماء..!!
وعن أقوال السياسيين وأفعالهم، يقول هاني شمس : إنه كلما زاد الظلم والقهر وانكمشت حرية التعبير، زاد الإقبال على السخرية بجميع أشكالها، وانتشرت النكات والرسوم التي تسدّ خانة الظلم وضيق أفق الحرية وانعدام القدرة على الحصول على الحقوق.
وقد عرف عن العرب تميّزهم في سرد وتناقل وابتكار الطرائف التي صبغت الحالة الأدبية والاجتماعية لدينا بلون يخفف عنا انكساراتنا وخيباتنا الكثيرة .
لكن الجديد في الطرائف العربية هو ما يتعلق بالسياسة ، فرجال السياسة يصنعون ويبدعون مواقف طريفة دون أن يقصدوا ذلك ، لكنها مواقف ينطبق عليها القول : شر البلية ما يضحك !!
ومن بين ( بلاوينا ) الجديدة ، ما أبدعه الأخوة في لبنان ، حيث تداعى القوم الى مؤتمر للحوار الوطني ، وبما أن الجلوس على مقعد معين وفي زاوية محددة يمس هيبة ومكانة المتحاورين ، فقد ارتأى المتحاورون أنه لا بد من طاولة مستديرة تحفظ لكل طرف هيبته ومكانته التي يعتقد أنه يستحقها وبحكم التمسك ب (تقليعة) الشفافية ، أعلنت الحكومة اللبنانية أنها بصدد تصميم الطاولة المنشودة ، وأنها ستعرض تلك التحفة الديمقراطية على وسائل الاعلام . ولعل أكثر ما في الأمر طرافة هو انشغال الحكومة والمتحاورين بأمر الطاولة أكثر من انشغالهم بموضوع وأجندة الحوار نفسه ، كيف لا وهي الطاولة التي قد تتحول الى قضية قومية من الطراز الأول !!
ومن طرائقنا السياسية الأخرى ، ما أعلن عنه مسؤول عربي رفيع المستوى (رغم أنه يتمتع بوزن يفوق المئة كيلوغرام ) من أن دولته ستحرص على دعم مجريات الانتخابات الفلسطينية كي تلبي تلك الانتخابات طموح الشعب الفلسطيني ، ولم ينتبه الرجل وربما لا يعرف أن الانتخابات قد تمت وانتهت القصة بأكملها ، وأن الفائزين أصبحوا قاب قوسين من تشكيل الحكومة الجديدة ، فأين كان الرجل خلال الفترة الماضية ، لا أحد يعلم سوى الله !!
طرفة مؤلمة أخرى تندرج في سياق الابداعات السياسية العربية ، تتعلق بالوضع المأساوي في العراق ، حيث قام وفد من الفنانين العرب بزيارة تضامنية الى بغداد ، محاولين اقحام انفسهم بالقضايا السياسية التي قد تكون آخر اهتماماتهم ، وبعد زيارة دامت أربعة أيام ، عاد الوفد برعاية الله ويمنه سالما من أي أذى أو شظية أو انفجار مدبر ، وقد سئلت احدى الفنانات عما لمسته من وضع في العراق فأجابت : لقد قمنا بالاطلاع على واقع أشقائنا العراقيين واجتمعنا بزملائنا من الفنانين هناك ، وعرفنا أن العراق يعاني من احتلال فظيع هذا ما ذكرته الفنانة من اكتشاف خطير ، ولو سألت صبيا قبل ذهابها لأخبرها أن العراق يرزح تحت الاحتلال لوفرت على نفسها عناء السفر ومخاطره .
تلك بعض ابداعاتنا العربية في المجال السياسي ، وهي لا تختلف كثيرا عن ابداعاتنا في الحروب التي نخرج منها دوما منتصرين ، ولا تبتعد عن ابداعاتنا في مجال التطور الصناعي والتقني والثقافي ..ولن نستغرب اذا ما دخل ظرفاؤنا سجل الأكثر طرافة في العالم ، كيف لا ونحن نبتكر كل يوم طرفة أقل ما يقال عنها أنها تذبح احلامنا من الوريد الى الوريد ، ومن تلك النكت :
تخفى عبد الناصر كي يتفقد أحوال الناس فسمع موظفاً يقول لزميله أن راتبه ينتهى في اليوم العاشر من الشهر، وسأله زميله وكيف تعيش باقي أيام الشهر ؟ فقال له أعيش على الستر، فأصدر جمال عبد الناصر قراراً في اليوم التالي بتأميم الستر!!
وفي اليمن يقول رسام الكاريكاتير رشاد السامعي :
إن اهتمام الناس بأوضاع البلاد جعلهم يتناقلون الفكاهات السياسية "فالنكتة تخبرهم بحدث جديد أو أمر مثير للاستغراب، كما أنهم يستخدمونها وسيلة لجلد الخصوم والمسؤولين، أو يعبرون بواسطتها عن سخطهم إزاء حدث ما".
ويضيف أن بعض الناس يشعرون بأنه بمجرد تأليفهم للنكات أو إرسالها فإنهم قد استطاعوا التعبير عن آرائهم دون خوف، ويعتبرون تفاعلهم مع المواضيع الساخرة أمرا ضروريا، فيسعون للحشد الساخر من خلال نشر تلك النكات بين أكبر عدد من الناس، فتصبح السخرية الجماعية حالة دفاعية أو انتقامية، وتتكون عبرها قناعة ورأي موحد تجاه الأحداث !!
وأخيرا فالنكتة لا تعد متنفساً فقط، ولكنها تعبر عن رؤيةٍ ما، أخذت جانب السخرية، وهذا الجانب، خطر وزلق، فهو في الوقت الذي يسخر ويزرع بسمة على الشفاه، يحفر شيئا ما في القلب، فالتنكيت على الغلاء لا يطعم خبزا، والتنكيت على مخرجات التعليم، لا يفتح ذهن الطالب، او عن الاحوال الصحية ولكنه في النهاية تنفيس عن احباطات المواطن البسيط لتقييم ما يجري حوله !!
د . علوي عمر بن فريد