علي قاسم يكتب:

الذكاء الاصطناعي.. أخطاء تبعث على الضحك وأخرى قاتلة

عندما يخطئ تطبيق مساعدة صوتية مثل أليكسا وسيري فهم أوامرنا الشفهية التي نصدرها إليه، غالبا ما تكون ردة فعلنا هي الضحك.

معظمنا يواجه مثل هذه المواقف التي لا تكون عواقبها خطيرة عادة، بروح الدعابة. ولكن، هذه الأخطاء المضحكة والبريئة التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي قد تنقلب إلى كوارث عندما يتعلق الأمر باستخدام الأنظمة الذكية خاصة في مجال مثل الرعاية الصحية، أو حتى في أنظمة القيادة، وهو ما أدى إلى تردد كبير من قبل الحكومات بالسماح للعربات ذاتية القيادة بالجري بحرية على الطرقات داخل المدن رغم التطور الكبير الحاصل في هذه التكنولوجيا.

حتى الآن كان الخوف من أن تنقلب الأنظمة الذكية على البشر هو ما أثار الكثير من الجدل، هذا إلى جانب المخاوف الأخلاقية والقانونية الناجمة عن إساءات قد تطال الفئات الضعيفة في المجتمع، خاصة الإساءات المتعلقة بالتمييز العنصري والتفرقة بين الجنسين.

قد تكون التكنولوجيا الذكية القاتلة، التي تحولت إلى حقيقة واقعة تمثلت في استخدام الدرونز والأسلحة الذاتية والمسيرة على أرض الواقع في المعارك التي تدور في أوكرانيا وما تسببت فيه من تدمير للبنى التحتية وقتل للمدنيين واحدة من أبرز هذه المخاوف.

وهناك أيضا مخاوف مبررة ناجمة عن احتمال أن يساء استخدام البيانات الشخصية سواء من قبل الحكومات أو من قبل الشركات العملاقة، وكانت هذه المخاوف محور ندوات عقدت على مختلف المستويات وأثارت الكثير من الجدل الذي لم يحسم بعد.

على العكس من هذه المخاوف التي ذكرناها وهي عديدة بالتأكيد، يثير استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في قطاعات أخرى الكثير من التفاؤل، بدءا بالأتمتة في الإنتاج الصناعي وصولا إلى المساهمات التي يمكن أن يقدمها في قطاع الصحة.

وبرز بشكل خاص دور الذكاء الاصطناعي والخوارزميات بعد جائحة كوفيد – 19 في تسهيل إجراءات التباعد الاجتماعي الذي فرضته الحكومات، وفي العمل عن بعد تلافيا لانتشار الفايروس، وفي تقديم الرعاية للمرضى والجلوس إلى كبار السن في بيوتهم لتخفيف مشاعر الوحدة والعزلة المفروضة عليهم. ولكن يبقى الدور الأبرز هو تطوير اللقاحات في زمن قياسي نسبيا.

وترسم التقارير المنشورة يوميا صورةً ورديةً مفرطةً في التفاؤل متحدثة عن إنجازات واكتشافات علمية، خاصة في مجال الرعاية الصحية. سرعان ما تلتقط الصحافة هذه التقارير وتحولها في بعض الأحيان إلى أخبارٍ ومانشيتات مثيرة تُنشر على الصفحات الأولى.

وبينما تتحفظ التقارير العلمية حول النتائج، تمنح الصحافة نفسها حرية أوسع في المبالغة بوصف نجاح الاكتشافات الحديثة، غالبا للفت انتباه القارئ ودفعه إلى قراءة الخبر.

هل تبدو عناوين مثل هذه مألوفة لديكم: علماء روس يبتكرون منظومة جديدة لمحاربة السرطان. خوارزمية يمكنها تشخيص مرض الزهايمر في مراحله المبكرة بدقة تصل إلى 74 في المئة..

هذه العناوين ومثلها الكثير تصادفنا يوميا، حتى لنخال أن البشرية نجحت أخيرا بالقضاء على الأمراض جميعها، بفضل الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. بينما في الواقع فشلنا حتى الآن في وقف انتشار فايروس كوفيد – 19 رغم كل الجهود الطبية التي استنفرت ووظفت آخر ما وصلت إليه بحوث الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، سواء في مؤسسات البحث العلمي أو تلك التي بذلتها الشركات.

ويحذر الخبراء من أن أوراق البحث العلمي التي تنشر تفاصيل تلك الاكتشافات ستصبح غالبا نقاط انطلاق لشركات جديدة، ولاستثمارات ومسارات بحثية ولخطط تطبيق واسعة النطاق في أنظمة الرعاية الصحية، رغم أن هذه التقنية لا تكون جاهزةً للاعتماد عليها في اتخاذ القرارات.

هناك ظاهرة أخرى سهلت تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي انتشارها، وهي الإعلان عن علاجات تدعي القدرة على الشفاء من جميع الأمراض، تبدأ بنمو الشعر وتنتهي بعلاج كل الأورام السرطانية وأمراض القلب والسكري..

وعادة لا تكون مثل هذه العلاجات متوفرة في الأسواق بل تطلب حصريا عن طريق الإنترنت، دون وجود أي دليل صادر عن جهة علمية رسمية يؤكد فاعليتها أو سلامتها.

بالطبع، لا نريد أن يفهم من ذلك أن الذكاء الاصطناعي عديم الجدوى عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية أو تطوير العلاجات والأدوية للأمراض. ولكن، يجب التأكيد أن الوقت لم ينضج بعد للاعتماد بشكل مطلق على الذكاء الاصطناعي والخوارزميات لاتخاذ القرارات النهائية الحاسمة خاصة عندما يتعلق الأمر بحياة البشر، ويكون القرار المتخذ فيها مسألة حياة أو موت.