علي قاسم يكتب:
الحدث السوري حدث العام، وأحمد الشرع رجل العام
ربما هناك أكثر من جهة تقف خلف التغيرات التي طرأت على شخصية أبومحمد الجولاني، الذي تغير خلال بضعة أيام من ثائر محارب إلى صاحب شخصية كاريزمية هادئة تفكر في كل كلمة تصدر عنها. وهو ما دفع السلطات في الولايات المتحدة لإلغاء جائزة بقيمة عشرة ملايين دولار وضعت لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليه.
ما حدث في سوريا خلال أيام سيظل صداه يتردد في المنطقة بعد 50 عامًا من اليوم، كما قال زعيم هيئة تحرير الشام وقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
قبل 48 ساعة من انتهاء عام 2024، الذي سيبقى في ذاكرة السوريين على أنه عام سقوط حكم عائلة الأسد، اختار الشرع إجراء مقابلة مع قناة العربية قال فيها إن إجراء انتخابات في سوريا قد يستغرق فترة تصل إلى أربع سنوات، وإن عملية كتابة الدستور قد تستغرق نحو ثلاث سنوات، وإن سوريا تحتاج نحو سنة ليلمس المواطن تغييرات خدمية جذرية.
سوريا لن تحتاج للاستجداء لتعيد بناء بنية البلاد التحتية المدمرة، هناك حل أفضل، هو فتح باب الاستثمار لإعادة الإعمار
أبرز ما لفت الانتباه في شخصية الشرع هو الهدوء، رغم الأسئلة الجدلية التي وجهت إليه. ما أجبر حتى ألد منتقديه سواء خارج سوريا أو داخلها، على إبداء إعجابهم بالإجابات “المدروسة”، خاصة المتعلقة منها بالعلاقات الدولية.
سيكتب الكثير، ويكشف النقاب عن معلومات أكثر.. ولكن، كل هذا لن ينقص شيئًا من أحداث عشرة أيام هزت سوريا والشرق الأوسط، وقد تؤدي إلى تغيرات جذرية يكتشف المتشككون لاحقًا أنها كافية لتهز العالم.
النجاح الذي تحقق خلال أيام على صعيد العلاقات الخارجية دفع المتشككين للقول إن ما جرى، ويجري، سيناريو جيد مكتوب مسبقًا، تقف وراءه جهات دولية أبرزها تركيا وقطر. حتى لو كان هذا صحيحًا، لن ينقص ذلك من أهمية الخطوات التي اتخذها الشرع.
الطريق ممهدة أكثر من أيّ وقت مضى لإسدال الستار على عقود من الاضطرابات عانت منها منطقة الشرق الأوسط وحان الوقت لتجاوزها.
ردود الشرع حول القضايا الدولية لم تكن موضع اختلاف، على عكس ردوده على القضايا الداخلية التي أثارت الجدل واختلفت الآراء حولها.
للوهلة الأولى بدت المدة الزمنية التي حددها الشرع بين سنتين وثلاث سنوات لكتابة الدستور وأربع سنوات لإجراء الانتخابات، طويلة جدًا. ولكن سرعان ما سقط من أيدي المنتقدين. الوضع في سوريا معقد إلى درجة كبيرة، ولن يكون سهلًا تجاوز التحديات خلال أشهر، وتبدو السنوات الأربع التي اقترحها منطقية جدًا.
مخاوف المنتقدين من استئثار الشرع بالحكم بعد أربع سنوات غير مبررة، وذلك لأسباب لا تتعلق فقط بنوايا الشرع نفسه، بل بالتطورات على الساحة الإقليمية والدولية، وكانت عاملًا أساسيًا وراء سقوط نظام الأسد وتهاوي المشروع الإيراني.
لا شك أن الحدث السوري الذي كان خاتمة لعام 2024 يستحق الإشارة إليه كحدث العام، وأن رجل العام هو أحمد الشرع
الشرع الذي سيطرت قواته على سوريا بأقل حجم من المواجهات والمقاومة، أكثر من يدرك ذلك. وبات اليوم يتصرف كرجل دولة براغماتي يريد بناء دولة حديثة.
هناك جانب آخر في المقابلة لم ينل نصيبه من الجدل، ولم يلق الضوء عليه، رغم أنه لا يقل أهمية عن النقاط السابقة، وهو الجانب الاقتصادي، وقوله إن سوريا تحتاج نحو سنة ليلمس المواطن تغييرات خدمية جذرية.
السوريون لا يمانعون منح الإدارة الجديدة مدة السنوات الأربع التي أشار إليها الشرع، وهم الذين صبروا على حكم البعث 61 عامًا. بالنسبة إليهم، الدستور تختزله ثلاث كلمات: “واحد، واحد، واحد.. الشعب السوري واحد.”
ما ينتظره السوريون هو رؤية تحسن الوضع الأمني والاقتصادي.
عندما قيل للشرع إن إعادة بناء الاقتصاد السوري المنهار وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة يحتاج 900 مليار دولار، لم يركز على الرقم. واختار أن يتحدث عن أهمية إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية مركزًا على المملكة العربية السعودية.
أبرز ما قاله الشرع إن سوريا لن تحتاج إلى المساعدات، ولن تحتاج إلى الانتظار على أبواب صندوق النقد الدولي. هناك ثلاثة عوامل يمكن لسوريا أن تعتمد عليها للنهوض من تحت الرماد، ما تملكه من خيرات وموقعها الإستراتيجي وأبناؤها، إضافة إلى أشقائها العرب.
السوريون لا ينتظرون معجزة، فهم قادرون على صنع معجزتهم بأنفسهم. هناك 10 ملايين سوري لاجئ منهم 6 ملايين في تركيا والدول الأوروبية، لم يقفوا في طوابير لتلقي المساعدات من الدول المضيفة. بل ساهموا في خلق فرص عمل لهم ولأبناء الدول المضيفة.
ما حدث في سوريا خلال أيام سيظل صداه يتردد في المنطقة بعد 50 عامًا من اليوم، كما قال زعيم هيئة تحرير الشام وقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع
ماذا يريد السوريون من الإدارة الجديدة في بلدهم لصنع معجزتهم؟ يريدون أولًا الأمن، فرأس المال كما يقال جبان، من دون الأمن لا يوجد استثمار. ويريدون اقتلاع الفساد من جذوره، لأن الفساد والنمو خطان لا يلتقيان. ويريدون مكافحة البيروقراطية حتى لا تعرقل طموحاتهم، ويريدون اقتصادًا حرًا.. بعد ذلك لا خوف عليهم.
لن تحتاج سوريا للاستجداء لتعيد بناء بنية البلاد التحتية المدمرة، هناك حل أفضل، هو فتح باب الاستثمار لإعادة الإعمار.
يعلم مليون سوري موجودين حاليًا ضيوفًا في ألمانيا، كيف حوّل الألمان الدمار الذي لحق ببلدهم خلال الحرب العالمية الثانية إلى فرصة للنمو والازدهار. ويقفون الآن على أهبة الاستعداد لتكرار التجربة الألمانية في سوريا.
أشار الشرع في المقابلة إلى وجود 15 مليون سوري بين نازح داخل البلاد ولاجئ في دول الجوار والدول الأوروبية ينتظر جميعهم العودة إلى الوطن للنهوض بسوريا من جديد.
لن أبالغ إن قلت إن سكان مدن كبرى مثل القاهرة وبرلين وإسطنبول يتساءلون اليوم، كيف ستبدو مدينتهم بعد أن رحل عنها السوريون.
لا شك أن الحدث السوري الذي كان خاتمة لعام 2024 يستحق الإشارة إليه كحدث العام، وأن رجل العام هو أحمد الشرع.