محمد خلفان يكتب:

حديث المستقبل في "حوار أبوظبي للفضاء"

حلم زايد يتحقق، أفضل جملة يمكن أن نقولها ونحن نتابع تفاعلات دولة الإمارات في مجال غزو الفضاء، ومنها تلك القمة التي تنظمها وكالة الإمارات للفضاء في مركز أدنوك للأعمال في العاصمة أبوظبي وتختتم فعالياتها اليوم بعد مشاركة 300 صانع قرار ومختص يمثلون 47 دولة.

نعم، لقد كان حلماً لمؤسس اتحاد دولتنا ووالد الجميع المغفور الله سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أن ترتقي الإمارات إلى أعلى المراتب ليس على الأرض فقط، لكن في الفضاء أيضاً. ولعل أغلبنا لا يزال يتذكر تلك الصورة التاريخية له وهو يستقبل بعض من رواد الفضاء، حيث عبر وقتها عن حلمه بأن يرتاد أبناء الإمارات الفضاء. وبالفعل، تحول ذلك الحلم إلى حقيقة، وصارت الإمارات دولة رائدة في علوم الفضاء بمختلف فروعها وأشكالها. حتى أنها لم تعد تكتفي بالإنجازات الحالية، فأخذت تنظر إلى المستقبل.

والواقع أن ما قامت به الإمارات يختلف عن بقية دول العالم بما فيها تلك المتقدمة منذ عقود في علوم الفضاء، لسبب مباشر وبسيط، أن دولة الإمارات تبدأ دائماً من حيث انتهى الآخرون وتبني على تجاربهم. فكل الدول التي تتقدم في أي مجال، تستغرق زمناً في مرحلة البحوث العملية والتطوير والدراسات النظرية. ثم تنتقل إلى تكوين وتدريب الكوادر المؤهلة فنياً وعلمياً. وبعدها تشرع في المراحل التنفيذية لتطبيق واختبار ما وصلت إليه البحوث والجهود النظرية، بواسطة الكفاءات البشرية التي تم إعدادها. وقد استندت الإمارات بالفعل إلى كل الإنجازات التي تحققت من قبل في هذا المجال، وهذا هو المنطقي والطبيعي في أي إنجاز بشري خاصة حين يكون علمياً.

غير أن الإمارات قامت بما يمكن وصفه بدون مبالغة بأنه معجزة حقيقية، وهي المضي قدماً في كل تلك المراحل على التوازي في وقت واحد، على خلاف ما فعلته كل الدول كالمعتاد بالتتابع الزمني.

لقد وضعت الإمارات خطة شاملة، مقسمة إلى مراحل زمنية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. لكنها من حيث القطاعات والتخصصات فإنها تجمع كل الفروع والمراحل معاً بشكل متوازي. ولذلك فلا غرابة أن تخرج الإمارات على العالم بمهمة فضائية غير مسبوقة إلى سطح القمر، مثلها مثل أعرق الدول في مجال الفضاء. وليس مفاجئاً أن يكون أول رائد فضاء عربي من دولة الإمارات وهو هزاع المنصوري الذي ارتقى إلى محطة الفضاء الدولية لمدة ثمانية أيام، ثم يتلوه سلطان النيادي الذي سيحمله مسبار الأمل في مهمة تاريخية سيمكث خلالها على سطح المريخ ستة أشهر كاملة.

وحتى تكتمل الصورة الإماراتية الرائعة، فإن المرأة حاضرة دائماً على أجندة قادتها وحكامها، فإن أول رائدة فضاء عربية أيضاً من الإمارات، وهي نورا المطروشي. وعلى التوازي، كان تأسيس وكالة الفضاء الإماراتية، ومركز محمد بن راشد للفضاء والقمر الصناعي "خليفة سات" وهو أول قمر صناعي عربي بالكامل، تم التخطيط له وتصنيعه وتشغيله بأيدي إماراتية بالكامل.

ولأن أحلام وآمال الإماراتيين لا نهاية لها، فإن الاستدامة حاضرة دائماً في عقول القيادات والمسؤولين الإماراتيين. ولذلك حرصت الإمارات على أن نقل إنجازاتها وخبراتها في الفضاء إلى الأجيال الجديدة من الشباب والطلاب. وكانت النتيجة السريعة بقيام طلاب وطالبات جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا بتصميم وتنفيذ القمر الصناعي "ظبي سات".

واتساقاً مع شمولية وتنوع النهضة الإماراتية، فإن "حوار أبوظبي للفضاء" جاء بدوره شاملاً ومتنوعاً. فتضمن إلى جانب الجوانب العلمية مسائل ذات صلة منها أمن الفضاء واستدامته، وتعزيز القيم الوطنية من خلال العلوم والتكنولوجيا. إضافة إلى بعد استشرافي مهم عن إدارة التحديات المرتبطة بالفضاء.

هذه هي الإمارات دائماً، تُحول أحلام الشيخ زايد إلى حقيقة، وتثبت مع كل يوم جديد أنها ليست فقط دولة ناجحة ومزدهرة ومستقرة. بل هي أيضاً دولة حديثة ومتطورة باستمرار ورائدة في كل المجالات الإنسانية والحياتية.