معصومة احتشام تكتب:
صفحة مشرقة من نضالات الايرانيين
يستعيد يوم الطالب الذي يصادف السابع من سبتمبر صفحات مشرقة من النضال، لتكون اكثر ألقا في زمن الانتفاضة، تومض في اذهان المنتفضين وهم يواصلون احتجاجاتهم المستمرة للشهر الثالث على التوالي، تزيدهم عزيمة، وتحثهم نحو مستقبل خال من الدكتاتوريات، التي تحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء.
يأتي يوم الطالب هذا العام مع استعادة الجامعات الايرانية دورها التنويري، الذي اعتادت ان تؤديه قبل ان يسلبه الملالي، لتؤكد من خلال هذه الاستعادة حيوية التفكير لدى الاجيال الشابة من الايرانيين، وقدرتها على تصحيح الاعوجاجات التي لحقت بالتاريخ، بفعل غدر قوى الظلام الخائفة من النور.
جاءت الصرخة مجددا من جامعة شريف، ليمتد صداها الى مختلف الجامعات الايرانية، التي تدخل في حالة من القطيعة مع الخضوع لحكم القرون الوسطى، وتجدد تأكيد استعصاءها على حكم الولي الفقيه.
يذكّر السابع من ديسمبر المنتفضين الايرانيين باحتجاجات ومقاومة الطلاب لدكتاتورية الشاه، بعد انقلاب 19 أغسطس 1953 على طيب الذكر محمد مصدق، زعيم الحركة الوطنية الايرانية، حيث واجه الطلاب الأحرار في جامعة طهران بنادق مرتزقة الشاه بصدورهم العارية.
عزمت دكتاتورية الشاة بعد ثلاثة اشهر من الاطاحة بالحكومة الوطنية على ترسيخ ديكتاتوريتها، من خلال القضاء على منجزات نضالات الشعب الإيراني، خنق الاحتجاجات، واسكات النداءات المطالبة بالعدالة، حيث دعا الشاه في تلك المناخات القاتمة ريتشارد ميلهاوس نيكسون، نائب رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت، لزيارة إيران رسميًا.
احتج الطلاب على الاستعراض السخيف والمخزي للقوة، وفتحت قوات حرس الشاه النار على الطلاب بعد تطويقها الجامعة، لقمع الاحتجاج، مما أدى إلى استشهاد الطلبة “مصطفى بزرك نيا” و “أحمد قندجي” و “مهدي شريعت رضوي” واعتقال اخرين في اجواء من التنكيل بالهراوات والحراب واللكمات والركلات.
جرت اعمال القتل والاعتقالات قبل يوم واحد من وصول نيكسون إلى إيران، وحصوله في اليوم التالي على الدكتوراه الفخرية من الجيش المحتل للجامعة، ليتحول ذلك اليوم الى عنوان للمقاومة والاحتجاج والإضراب وتحدي الدكتاتورية، يتكرس يوما للحرية، يذكر الايرانيين بالانتفاضة الطلابية، ويظل محل اعتزاز لهم.
لم يكن السابع من ديسمبر نبتا شيطانيا في تاريخ الايرانيين، فهو امتداد عقود من النضال الطلابي، تصل جذوره الى الثورة الدستورية، ليكتمل قرن من النضال ضد نظام الشاه، يتحول فيما بعد الى ارضية لمواجهة الملالي، وتبقى الجامعة حصنا للمناضلين، مهدا لطلائع الشعب الإيراني، و قلعة دعم لرواد الكفاح والنضال.
تعمقت قيم المقاومة والحرية في الجامعة مع إراقة دماء الطلاب الثلاثة، ليأخذ الحرم الجامعي دوره معقلا للحرية، ويصبح يوم الطالب يوما لمقاومة الدكتاتورية الحاكمة كل عام، ومن الجامعات نهضت “مجاهدي خلق” وغيرها من المنظمات المقاتلة لتطوى صفحة ديكتاتورية الشاه.
ولانه كان يعي دورها كرافعة للحركة الثورية، اعتبر خميني الجامعة “مصدرا لكل المشاكل” بعد سقوط الشاه، واطلق منذ لحظة وصوله الى البلاد ما سمي بـ “الثورة الثقافية” الهادفة لقمع القوى التقدمية والرائدة في الجامعة، واكمال ما بدأه الشاه.
كان هدف خميني واضحا من ثورته الظلامية، وهو التخلص من القوى السياسية، مع بروز ظاهرة محاضرات مسعود رجوي في جامعة شريف الصناعية، التي لم تترك مجالا للملالي في الجامعات.
لجأ الدجال خميني لاستخدام القهر والقوة لمواجهة بؤرة التحرر والوعي، اغلق الجامعات ثلاثة اعوام، شن حملة اعتقالات وقتل في صفوف الطلاب الثوار، اقصى الأساتذه المتنورين، ادخل دروس الحوزة الدينية الى الجامعات، فصل الطلاب عن الطالبات، فرض حواجز على طريق دخول الجامعة، وخصص 40٪ من نسبة القبول حصة لطلاب اجهزة المخابرات والأمن.
كشفت انتفاضة الشعب الايراني المستمرة في تجذرها حقيقة غائبة عن اذهان الملالي، وهي استعصاء بذرة الوعي والحرية على الاقتلاع، اورقت في الجامعات مع تجذر الانتفاضة، لتستعيد حضورها، مع صرخة الموت للظالم، سواء كان الشاه او المرشد، التي ترددت في الاروقة، لتثير الرعب في نفوس محاولي وقف حركة الزمن.
* معصومة احتشام، عضوة اللجنة المرأة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية