حسين الرواشدة يكتب:

المملكة الأردنية الهاشمية.. وصفة وحيدة لحل أزمة الإضراب

عدن

لا يوجد لدي ّ أية وصفة جاهزة، أقدمهأ لإدارات الدولة والأردنيين لطي صفحة أزمة الإضراب إلا استدعاء الحكمة ، والتعامل بمنطق الدولة ، أعرف ،تماما ،أن كل يوم يمر سيرتب على بلدنا كلفة اكبر من الخسارات، أعرف، أيضا ، أن الرهان على العروض المقدمة لأصحاب الشاحنات ،برفع الأجور، لم ينجح ، أعرف ،ثالثا، أن الحكومة مقيدة بحسابات الأرقام في الموازنة ،وهواجس الاقتراض مجددا ، كل ذلك وغيره أصبح مفهوما، لكن الأهم هو أمن بلدنا واستقراره، والحفاظ على كرامة الأردنيين ، ورد التحية لهم ، جرّاء صبرهم وإخلاصهم ،بمثلها أو باحسن منها.

‏في بلدنا تبدأ الأزمات صغيرة ، البعض يتعامل معها بمنطق التهوين ، والبعض الاخر "بالعين الحمراء " ، معظم النقاشات التي تجري تنصب باتجاه إطفاء الأزمة ، دون الانتباه لعمقها وامتداداتها المتوقعة، غالبا ما تتوسع الأزمة وتمتد بعد أن نتأخر في التعامل معها ، أو محاصرتها بحلول عملية ومرضية لكافة الأطراف ، الآن بعد مضي اكثر من أسبوع على الإضراب الذي انتقلت عدواه من الشاحنات إلى معظم وسائل النقل العام ، اصبح عنوان المطالب واضحا، وهو خفض أسعار المحروقات ، السؤال : هل نحن جاهزون للحوار حوله ، و تقديم ما يلزم من تنازلات ، أم لا..؟

‏ببساطة، يمكن (بل يجب) أن نتنازل وننحاز للحكمة ، وبحساب الكلفة ، أيضا، فمهما يكن حجم خفض أسعار المحروقات ، ومهما كانت خسارة الخزينة من الضرائب المفروضة عليها ، فإن الكلفة ستكون اقل بكثير مما يمكن أن ندفعه من امننا السياسي والاجتماعي ، فيما لو تصاعدت الاضرابات، وتداخلت العناوين ، وعجزنا عن ضبط حركة الغضب والاحتقان العام، وفيما لو ركب الموجة آخرون لا نعرفهم، عندئذ لا يستطيع احد أن يتنبأ بحجم الكلفة ، ولا أعتقد ان بلدنا ستتحملها.

‏أعرف أن إدارات الدولة وأجهزتها في حالة استنفار ، وأن نقاشات عميقة تجري لتطويق الأزمة ، أو البحث عن حلول لها ، أدرك، أيضا ،أن لدى رئيس الحكومة من الوعي والحرص والتقدير للوضع العام ،ما يجعله قادرا على المبادرة للتعامل مع الأزمة بمرونة وحكمة ، ما أخشاه ،هنا ، هو أن ينجح البعض في تزيين مسارات الحلول البديلة بدل الأصيلة ، او تقديم منطق العناد على منطق "كلمة سواء" تنصف الجميع ، أو التعويل على شراء المزيد من الوقت ، أعتقد أن ثمانية ايام كانت تكفي لالتقاط الرسالة ، وفك ما حملته من شيفرات سياسية واجتماعية ، ثم الرد عليها بما يتناسب مع المصلحة العامة للدولة، ومع قيمها أيضا.

‏حتى الآن ما زالت أزمة الإضراب محصورة في اصحاب وسائل النقل، معظم الأحزاب لم تدخل على الخط ، الوسائط الاجتماعية كذلك لم تشتبك معها، المتضررون من الضغوطات الاقتصادية ( وما أكثرهم) ما زالوا يجلسون على مقاعد المتفرجين ، حتى العقلاء لم يتحركوا للوساطة ، ما يعني أن الأزمة متعلقة بمطلب محدد ، وما زالت تحت السيطرة ، و أن أحدا لم يستثمر بها سياسيا حتى الآن ، هذه أخبار مريحة لإدارات الدولة ، ويمكن أن تسهل عملية الخروج بتوافقات مرضية للجميع ، لكن لا احد ،بالطبع، يضمن أن يبقى الوضع على ما هو عليه ، الضمان الوحيد هو نجاح مؤسسات الدولة بإدارة الأزمة ومعالجتها ، بأقل ما يمكن من خسائر.

بقى أن أضيف : الدولة الأردنية قادرة على تجاوز هذه الأزمة كما فعلت دائما، و الأردنيون يمتلكون من الوعي والوطنية ما يجعلهم حريصين على بلدهم، المعادلة هنا بين الأردنيين ودولتهم واضحة ولا تستدعي أية مخاوف ، ما يقلقنا ،فقط ، هو الدفع من أي طرف باتجاه "المكاسرة" ، أو ركوب مركب العناد ، عندئذ سنخسر كلنا لا قدر الله ، الأمر الذي يستدعي ،من كافة الأطراف ، أن تضع الأردن ، الدولة والوطن ، في أولوية حساباتها عند كل صرخة مطلبية ، أو عند التفكير بإصدار أي قرار.