حسين الرواشدة يكتب:
المملكة الأردنية الهاشمية.. " صناديق " تركيا تَصدمنا ، وتُلهمنا أيضاً
هل يوجد لدينا ديموقراطية تحظى بثقتنا واعجابنا ، ونصطف أمام صناديق الانتخابات لممارستها والاحتفاء بها ؟ بصيغة اخرى ، هل الديموقراطية هي خيار الاردنيين حقا، وهل لديهم من الارادة والتصميم ما يدفعهم للانحياز لها ، وحمايتها من اي طاريء يتهددها، او عبث قد يمتد اليها؟
قبل ان اجيب على هذا الاسئلة ، ولكي استدرك اية “نقطة نظام “ ساخرة لقارئ كريم ، اسجل ثلاث ملاحظات : اولاها ان ما طرحته استدعته ظاهرة اعجاب معظم الاردنيين بالتجربة الديمقراطية التركية التي تابعوا نسختها الاخيرة قبل ايام ، وانشغلوا بها وكأنها قضيتهم ، مما يشير الى انهم متشوقون للديمقراطية ، ويبحثون عن نماذجها الحقيقية الملهمة التي تداعب احلامهم ، بل وتشكل - بتقديري- قاطرة لمشروعهم الوطني .
الملاحظة الثانية ان تجربة الاردنيين مع الديموقراطية وبرلماناتها لم تكن موفقة ، لدرجة انهم يعزفون عن الذهاب للصناديق ( 29% فقط شاركوا بالانتخابات البرلمانية الاخيرة) ، كما انهم يشهرون ابتهاجهم في كل مرة يتم فيها حل البرلمان ، حتى لو لم يكمل مدته القانونية ، لا يعني هذا الابتهاج رفضهم للديمقراطية او كفرهم بها، بل على العكس يؤكد رغبتهم فيها برفض صورتها المغشوشة التي رسختها برلمانات عجزت عن اقناعهم بانها تمارس العمل الديمقراطي ، وبالتالي فإن العيب لم يكن بفكرة الديمقراطية ذاتها ، وانما بالممارسة والتطبيق ، ابتداء من القانون الذي مشت على “سكته” الانتخابات ، وصولا الى اداء النواب الذي اتسم – غالبا – بالفردانية .
اما الملاحظة الثالثة فهي ان محاولة تحميل المجتمع “وزر” غياب الديمقراطية بحجة عدم نضوجه او عجزه عن امتلاك تقافتها ، او دورانه بالاطر القبلية والاجتماعية الضيقة ، هذه المحاولة ليست بريئة ، لانها تعكس فهما غير صحيح للمجتمع واساءة له ، كما انها تعفي النخب الفاعلة في الدولة من تحمل مسؤولياتها ، فالمشكلة هنا ليست فقط في المجتمع غير الجاهز للديمقراطية ، وانما في تعطل ماكينة السياسة وفقر مناخاتها ، وفي الظروف التي ولدت لدى الاردنيين ما يشبه القناعة ان افرازات الصناديق لا تمثلهم .
اعرف – بالطبع- ان احد القراء سيواجهني قائلا : اين هي التجربة الديمقراطية التي يمكن ان ندافع عنها..؟ قارئ آخر سيقول : اعطني ديمقراطية مثل التي تعيشها تركيا وانا على استعداد لحراستها بكل ما لدى من امكانيات ، قارئ ثالث سيتهمني ربما “ بخطأ المقارنات “ بين ديمقراطية لم تتكمل لدينا ، وبين ديمقراطيات ناضجة ذاق الناس طعمها ، فخرجوا للصناديق لكي يرسخونها ، قارئ رابع سيذكّرني انه كان لدينا في مطلع التسعينيات تجربة ديمقراطية ساهمت بانعاش المجتمع واعادة الحيوية اليه ، لكنها تراجعت ، ثم يمكن ان يسألني : هل لديك امل باستعادة هذه التجربة.؟
اوافق على كل هذه المداخلات واحترمها ايضا ، لكن لدي انطباعان اثنان من “وحي” ما حدث في تركيا قبل ثلاثة ايام (15/5): احدهما ان “هبّة” الشعب التركي للصناديق ( نسبة الاقتراع نحو 89%)جاءت في سياق الدفاع عن انجازه الذي تمثل في الديمقراطية ، وحين فعل ذلك فانه وضع امامه مصلحة تركيا اولا ، ولم يخرج حبا بأشخاص او زعامات ، مهما كانت انجازاتهم .
اما الانطباع الآخر فهو أن ما جرى في تجربة الصناديق بتركيا ، بكل تفاصيله ، يفترض (لا بل يجب) ان يصدمنا و يلهمنا معا ، يصدمنا لكي نصحو من يأسنا وغفلتنا ، ونبحث عن مشروع ديمقراطي يخرجنا من أزماتنا،ومن منطق الحذف والاقصاء الذي نتعامل به مع مكوناتنا الوطنية، ويلهمنا ،ايضا ، لنتعلم من دروسه ما يجعلنا اقدر على رؤية ذاتنا الوطنية والعالم من حولنا ، وفهم لغة الانجاز و الشرعية الحقيقية ، وارادة الشعوب حين تفصح عن نفسها، أو تنتصر على كل العقبات و المحبطات التي تواجهها.
بالعودة الى السؤال الاول : هل الديمقراطية هي خيار الاردنيين ..؟ الاجابة نعم ، ولكن المشكلة في وجود هذه التجربة الديمقراطية وفي ممارستها واقناع الناس بها ، لانها حين تكون موجودة وناضجة ومستقرة، ستجد ان اغلبية الاردنيين يتفاعلون معها ، ويدافعون عنها ، ابتداء من الاقبال على صناديق الاقتراع ، وانتهاء بحمايتها من محاولات العبث بها ، او “التسلق “ على جدرانها ايضا.