د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأندلس الفردوس المفقود !! (4)
لماذا عندما نكبر نحاول استرجاع ذكرياتنا ونعيدُ ترميم ماضينا الجميل؟
ونسأل أنفسنا من سيعيدها لنا ؟
وهل ستبقى عالقة في مخيلتِنا رغمّ تباعد الأيام وازدحامها؟
ربما الأحاسيس والمشاعر هي التي ما زالت تؤمن بالذكريات؛ باسترجاعِ اللحظات! حين يغفو العقل بعيدا عن الواقع، حين يعاود رسمها بفرشاةٍ سحريةٍ غالبا ما تختفي؛ ويغادرنا العقل الباطن على عجلٍ حين يقاطعنا صوت الكون الواقعيّ! رغمّ الألم الذي يعتصر في داخلنا ويرتطّم، قد يضجّ العقل بالماضي، ويحاول أن يلتصق بالأحلام المقتولة على أعتاب الزمن المرّ، هذا الإعصار الهائج أحيانا يُفقدنا السيطرة على أعماقنا، ويشلُّ أحيانا أخرى حركتنا الطبيعيّة؛ لنجد أننّا نفقد الحياة الحاضرة ولا نجيد التأقلم مع أحداثِها، ونبقى غائبون في زمنٍ قد انتهى، لكنّ طياته كانت بالنسبة لنا الأمل والجمال والحياة التي بنتها طفولتنا.
لذا عقدت العزم على العودة الى مذكراتي التي طبعتها في كتاب بعنوان :( مسافر عبر الزمن ) الذي دونت فيه رحلاتي في العديد من الدول وسأبدأ برحلتي الى الأندلس التي قمت بها في منتصف الثمانينيات وكانت أحلامي تراودني منذ الصبا أن أزور معالمها التاريخية التي طالما قرأتها منذ الفتح الإسلامي وبطولات طارق بن زياد وموسى بن نصير ،وقيام الدولة الأموية وعاصمتها "قرطبة "بقيادة الخليفة عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش ،وكنت قد نهلت مسبقا من كل الكتب التي دونت عن الأندلس وكبار أدبائها مثل أشعار لسان الدين ابن الخطيب ،وكتاب العقد الفريد لابن عبدربه الخ
تاريخ حافل وحضارة عريقة امتدت عدة قرون طويلة ما زالت شواهدها قائمة حتى اليوم .لقد فقد العرب الأندلس بسبب خلافاتهم وتفرق شملهم حتى تمكن أعدائهم من قهرهم وإخراجهم من ذلك الفردوس المفقود ،وسيظل حسرة في القلب وغصة في الحلق بضياعه من أيدينا بعد حكم امتد ثمانية قرون
عن طريق روما
كانت أمامي فرصة ثمينة قررت أن لا أفوتها وهي قضاء رحلة شهر العسل مع زوجتي في ربوع الأندلس رغم اقتراح بعض الأقارب والأصدقاء الذين نصحوني بالسفر إلى تركيا لقربها عن دمشق وعاداتها الإسلامية ورخص أسعارها مقارنة باسبانيا ولكنني صممت على اسبانيا
بعد ليلة العمر والفرح السعيد في دمشق خرجنا من صالة الجلاء بالمزة الواحدة صباحا في ليلة خريفية ممطرة من شهر أكتوبر واتجهنا برتل من السيارات التي كانت تطلق مزاميرها وأبوا قها عبراوتستراد المزة ثم صعدنا إلى قمة جبل قاسيون المطل على دمشق ثم عدنا إلى فندق الشيراتون وكنا نستقل سيارة أحد الأصدقاء من الدبلوماسيين العاملين في السفارة اليمنية بدمشق الذي كلف ابنه مشكورا بقيادتها .
وفي الصباح الباكر غادرنا الفندق إلى مطار دمشق الدولي وانهينا إجراءات السفر بيسر وسهولة وودعنا الجميع ودخلنا القسم الجمركي ولم يعكر صفو صباحنا إلا موظف سليط اللسان عندما اطلع على جوازاتنا وتعرف على هوياتنا وبدلا من يبارك لنا قال لي بتهكم : ألا يوجد نساء في بلادكم ؟؟
ولم أرد عليه ولم انفعل حتى لا يتخذ ذلك حجة لعرقلة سفرنا وكتمتها في نفسي فيما كانت الخطوط السورية تعلن عن قرب موعد إقلاع رحلتنا المتجهة إلى روما عن طريق حلب ..وعلى الفور اتجهنا إلى الصالات الداخلية المؤدية إلى الطائرة وقوبلنا بترحاب شديد من قبل طاقم الطائرة عندما علموا أننا عروسين
وتحدث الكابتن إلى الركاب بذلك وقدمت لنا المضيفة باقة من الورد وطبق من الشوكلاته وأمام لطفهم وحرارة استقبالهم لنا نسينا ذلك الموظف الهمجي الذي تصبحنا به الذي لا يمثل الشعب السوري العروبي و الطيب الكريم المضياف
استغرقت رحلتنا إلى مطار حلب 45 دقيقة من الطيران الهادئ المريح والخدمة المميزة قدموا لنا وجبة إفطار شهية ..وفي حلب انضم إلينا ركاب جدد إلى روما التي وصلناها ظهرا وحسب رحلتنا المقررة يجب أن نبقى يوما كاملا في روما للتعرف على معالمها ..ختمنا جوازاتنا في مطار روما واستقلينا سيارة أجرة إلى وسط روما ونزلنا بأحد الفنادق وطلبنا الغداء وقد اخذ منا التعب كل مأخذ ونمنا حتى المغرب ثم خرجنا في جولة في المنطقة المحيطة بالفندق ولكنني لم أشعر بالأمان في روما خاصة في الليل لسمعتها السيئة حيث تشتهر بعصابات المافيا والمخدرات والجريمة وعلى الفور عدنا إلى الفندق وفي الصباح الباكر توجهنا إلى مطار روما ثم أقلعت بنا طائرة الخطوط الايطالية إلى برشلونة .
والى اللقاء في الحلقة القادمة
د. علوي عمر بن فريد