خير الله خير الله يكتب:

المعادلة التي لم يستطع عون وباسيل فهمها

من أطرف ما يشهده لبنان حاليا، ذلك الاعتراض الذي يبديه الثنائي ميشال عون – جبران باسيل على رفض “حزب الله” إيصال باسيل إلى موقع رئيس الجمهوريّة. لا حاجة إلى كثير من البحث والتدقيق واللفّ والدوران للتأكّد من أنّ حاجة “حزب الله” إلى نجيب ميقاتي وحكومته أكبر بكثير من حاجته إلى شخص مثل الصهر السابق لرئيس الجمهوريّة.

في النهاية، يكتشف عون وباسيل أنّ للحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري”، حسابات خاصة به، أو على الأصحّ، خاصة بإيران التي وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه في ضوء الثورة الشعبيّة التي اندلعت في السادس عشر من أيلول – سبتمبر الماضي، وهي ثورة تضع مصير النظام القائم على المحكّ.

ما يعرفه “حزب الله” أن لا مكان آخر لباسيل غير أحضان إيران التي عصرته مع عون مثلما تعصر البرتقالة. كانت إيران في حاجة إلى غطاء مسيحي لـ”حزب الله” وسلاحه غير الشرعي. أوصلت عون إلى موقع رئيس الجمهوريّة بعد عشر سنوات من توقيع وثيقة مار مخايل في السادس من شباط – فبراير 2006. وقع الوثيقة التي ليست سوى جريمة أخرى ترتكب في حق لبنان حسن نصرالله وعون. بعد مرور كلّ هذه السنوات، لا مكان آخر يذهب إليه جبران الممسوك من الحزب وذلك مهما حاول التذاكي وإظهار أنّ لديه خيارات أخرى مثل الخيار القطري ذي الإطار الواضح. لا تستطيع قطر إيصال صهر رئيس الجمهورية السابق إلى قصر بعبدا. يدفع عون وباسيل حاليا ثمن توقيع وثيقة مار مخايل. استفاقا فجأة على مدى خطورتها على كلّ لبناني، خصوصا على مستقبل الوجود المسيحي فيه.

تبدو حسابات عون وباسيل في غير محلّها. ظهر ذلك بوضوح بعدما نجح ميقاتي في عقد جلسة لمجلس الوزراء فيما كان رئيس الجمهوريّة السابق وصهره يحذران من اعتداء على حقوق المسيحيين وعلى الدستور. ذهب الإثنان إلى الاستنجاد ببطريرك الموارنة بشارة الراعي، غير مدركين أنّ ثمّة حدودا لما يستطيع البطريرك عمله لهما.

مرّة أخرى نجح رئيس الوزراء ميقاتي، الذي تمكن أخيرا من عقد لقاء مع الأمير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي، في تسجيل نقطة على عون وباسيل بعدما كان رفض تشكيل حكومة تستجيب لمتطلباتهما. كان الثنائي الرئاسي السابق يطمح إلى لعب دور في المرحلة الانتقالية التي يمرّ فيها لبنان. فشل في ابتزاز ميقاتي الذي يعرف تماما من يحكم لبنان كما يتقن لعبة المناورة وكلّ ما له علاقة بها محليا وإقليميا ودوليا…

لم يدرك عون وباسيل، منذ البداية، أنّ لا مكان في هذه المرحلة الانتقالية التي يسودها فراغ رئاسي سوى لدور يمارسه “حزب الله” العامل بهدوء على تغيير المعادلة في داخل مجلس النواب عن طريق الطعونات. أتى الحزب أخيرا بنائبين مواليين له من الشمال. ليس مستبعدا أن يأتي باثنين آخرين من منطقة أخرى لتعزيز الأكثرية التي يمتلكها في المجلس.

فات الثنائي الرئاسي السابق أنّه صار خارج بعبدا. لا يستطيع تصديق ذلك. انتهى “العهد القوي” ولم ينته “عهد حزب الله” الذي صنع “العهد القوي” ورعاه وأمّن له الغطاء المطلوب كي يمارس لعبة الفساد من أوسع الأبواب… أكان ذلك من خلال الكهرباء أو السدود الفاشلة أو غير هذين الملفين.

لعلّ أهمّ ما فات عون وباسيل أنّ لبنان واقع تحت الاحتلال الإيراني وأنّ دور المسيحيين في لبنان تقلّص إلى حد كبير وصولا إلى تحوّل “حزب الله” إلى الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة. أكثر من ذلك، بات رئيس الجمهوريّة، على سبيل المثال وليس الحصر، ملتزما بمنع التحقيق الدولي في جريمة في حجم جريمة تفجير مرفأ بيروت…

لم يعد من وجود لحقوق المسيحيين في لبنان. هذه الحقوق طارت لحظة توقيع وثيقة مار مخايل في العام 2006. لم يعد من مهمة لدى المسيحيين، بفضل رئيس الجمهورية السابق وصهره، غير تأمين غطاء لسلاح “حزب الله”، أي للاحتلال الإيراني.

هذا ليس وقت البكاء وصرير الأسنان بعدما امتهن عون وصهره إذلال المسيحيين وتهجيرهم بدءا باختيار أسوئهم ليكونوا نوابا أو وزراء.

يظلّ أسوأ من ذلك كلّه الجهل بما يدور في المنطقة، بما في ذلك ما يدور داخل إيران نفسها وما يعانيه النظام السوري من حال انهيار. لم يدرك عون وباسيل، على سبيل المثال، أنّ حزب الطاشناق الأرمني مرتبط بـ”حزب الله” وأنّ نوابه بمثابة معارين لـ”التيّار الوطني الحر”. أعار الطاشناق، الذي صارت قيادته في طهران وليس في مكان آخر، نوابه إلى باسيل من أجل تضخيم الكتلة النيابيّة العونيّة وجعلها في مستوى كتلة نواب “القوات اللبنانيّة” لا أكثر. عندما احتاج “حزب الله” إلى وزير أرمني لتأمين أكثرية الثلثين وعقد جلسة لمجلس الوزراء. فعل ذلك من دون أن يرفّ له جفن.

يظلّ الجهل المسيحي من بين الأسباب التي أدّت إلى ضياع لبنان الذي قد يكون أفضل ما يمكن أن يفعله أبناؤه في هذه المرحلة الابتعاد عن المزايدات. هناك واقع داخلي لا يمكن تجاوزه في غياب تغيير لموازين القوى إقليميا. هذا ما يعرفه ميقاتي قبل غيره.

لبنان بلا رئيس للجمهوريّة تفرضه إيران أفضل من لبنان بوجود مثل هذا الرئيس. يؤكّد ذلك ما ارتكبه عون وباسيل في السنوات الست الماضية. أخذا لبنان إلى نقطة اللاعودة. صار القرار اللبناني في يد إيران نهائيا. يؤكّد ذلك أنّها من سمح بترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل. من يسمح لنفسه بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لن يتردّد في فرض رئيس للجمهوريّة على اللبنانيين. هذه معادلة لم يستطع عون وصهره هضمها ولن يستطيعا ذلك يوما.