حقي أوجال يكتب:

قراءة في المشاكل السورية متعددة الأوجه

مجدداً، حذر السيد تسفي بارئيل من صحيفة هآرتس قرّاءه من أن "الذراع التركية على وشك البطش"، وطلب من الولايات المتحدة وقف "العد التنازلي للغزو التركي الكبير لسوريا".

مع أني لم أطلع قط على أيٍ خطط تركية سرية حول سوريا، لكني قرأت التقييمات الرسمية وغير الرسمية والمصرح بها وغير المصرح بها والقديمة والجديدة والسرية والمفتوحة، منذ أن تخلت الجمهورية التركية الجديدة عن 11 ولاية عثمانية في بغداد و5 ولايات في سوريا لصالح البريطانيين والفرنسيين، لأن العثمانيين كانوا من بين الذين خسروا في الحرب العالمية الأولى.

ومع الشعور بذل التنازل عن الأرض التي اعتبرها الناس جزءاً من بلادهم لأكثر من 400 عام، إلا أن التنازل عن الشرعية السياسية والإدارية والقانونية على المحافظات العربية كان تنازلا دائما وللأبد. ولم يكن لدى الأتراك أي مخاوف أو ندم على خسارة تلك الأراضي، ولم يطوروا أي فكرة عن العودة إلى حكمها من جديد، بل كانت تتمتع بمجالس محلية خاصة بها حتى عندما كانت تحت الحكم العثماني ولم تكن التركية اللغة الرسمية فيها.

الأزمة السورية طويلة الأمد

ويشهد العديد من المؤرخين أن الحكم العثماني في الشرق والغرب من البلقان إلى القوقاز والجزيرة العربية لم يكن يوماً إمبريالياً، بمعنى أن العثمانيين لم ينقلوا ثروات البلدان التي حكموها إلى الوطن الأم، بعكس الاستعمار الذي فعل ذلك. وليس لدى العثمانيين أصلاً مفاهيم على غرار "الوطن الأم" و"البلاد المستعمرة". وبالتالي، لم يحدث استعمار من قبل الأتراك العرقيين للدول العربية والصربية واليونانية كما لم تكن هناك سياسة عثمانية ضد المسيحيين واليهود من أصحاب البلاد الأصليين، ولهذا السبب يتكلم السيد برئيل وعائلته العبرية اليوم!

ومجدداً، نعيد القول بأن تركيا الحديثة اليوم لا تستعد "لغزو كبير لسوريا"، والسيد برئيل يعرف هذا أفضل مني لأنه ومايكل روبين من معهد أمريكان إنتربرايز الشهير، والذي يكرر نفس الادعاءات وأمثالهم، يعرفون أن تركيا لا تنوي احتلال سوريا والبقاء فيها بقدر ما يعرفون أن وجود ما تسميه تركيا "الحزام الأمني" ضد إرهابيي بي كي كي هو أفضل طريقة لمنع تمزيق سوريا والعراق. وهذا الحزام الذي يمتد على طول الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا بطول 300 كيلومتر وعمق 30 كيلومتراً، سيدفع إرهابيي بي كي كي/واي بي جي، إلى الجنوب باتجاه قوات نظام بشار الأسد.

والواقع أن آل الأسد لم يكونوا يوماً سعداء بوجود هؤلاء الإرهابيين، ولم يسمح بشار الأسد وسلفه حافظ الأسد لهم بالتسلل إلى سوريا، وأنشطتهم الإجرامية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال العراق، لا تروق لا لطالباني ولا لبرزاني.

ومع ذلك ولسبب ما لا يمكن فهمه، يعتقد قلة معينة من الناس أن ما يسمى بـ "الدولة الكردية" في العراق وسوريا، من شأنها أن توفر أفضل جدار أمني دائمٍ لإسرائيل، بحجة أن ذلك سيحمي إسرائيل من إيران وربما من تركيا التي قد تصبح إسلامية كاملة! فالرئيس ويلسون لم يرسم خريطة كردستان باليد هباءً!

إلى جانب ذلك، هذه "الدولة الكردية" على سبيل المثال، ستقنع الأكراد في إيران وتركيا حيث يمثلون أحد العناصر التأسيسية للبلاد، بأنه من الممكن أن يكون لهم بلدهم الخاص رغم أنهم شركاء متساوون في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وأن الأنشطة الانفصالية الإرهابية لم تنجح في تفتيت أوصال البلاد، لكن قيام دولة كردية عراقية وسورية موحدة قد يحدث! وهذا هو بالتحديد ما يفكر فيه صقور المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ورفاقهم في السلاح في الشرق الأوسط باختصار.

صقور السياسة الخارجية الأمريكية:

عندما ظهرت جماعة القاعدة الإرهابية في سوريا وبعض أجزاء من العراق، كان جميع المحافظين الجدد البارزين مثل إليوت أبرامز أحد كبار مساعدي الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط، والذي رفضه دونالد ترامب لاحقاً لمنصب نائب الرئيس، بالإضافة إلى وزير الخارجية بيل كريستول الذي فعل الكثير للتنسيق مع إدارة بوش في حشد دعم النخبة لغزو العراق، وبول وولفويتز نائب وزير دفاع بوش وكبير مهندسي غزو العراق، كانوا مبتهجين للغاية بحجة تسليح إرهابيي بي كي كي في العراق وسوريا.

والآن، وتحت ستار ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية وهي امتداد سوري لتنظيم بي كي كي، ستقدم الولايات المتحدة كل المساعدة لأجل ازدهار فكرة "الدولة الكردية"، حتى أن أحداً لم يسأل كيف نُقل جنود طالبان، الذين يُطلق عليهم اسم العرب الأفغان، من باكستان إلى سوريا!

وستبقى الولايات المتحدة وتحالفها ضد داعش الآن في بلاد الشام إلى أن تتحول إلى دولة كردية طال انتظارها. كما أن داعش اختفت بين عشية وضحاها، بمجرد أن نصبت القيادة المركزية الأمريكية خيامها على طول الحدود التركية.

وقبل عام، وقعت الولايات المتحدة وقوات الاحتلال الروسية في سوريا اتفاقيات لإبعاد هؤلاء الإرهابيين عن الحدود التركية. ومع ذلك، لم يفوا بوعودهم وهذا مفهوم بالنسبة للولايات المتحدة، ولماذا لا يريدون نقل قوات قسد 30 كيلومتراً بعيداً عن تركيا، ولو كانت "الدولة الكردية" المزعومة التي أنشأتها قوات قسد لن "تلمس" تركيا ففيم فائدتها إذاً؟ لذلك، يحاول الصقور الأمريكيون اليوم تشويه عملية مكافحة الإرهاب التركية عبر الحدود بتسميتها "احتلالاً لسوريا" بالرغم من أنهم يعرفون أن تركيا ليس لديها نية للبقاء في سوريا ولا تقطيع أوصال البلاد.

والجزء الأصعب من هذا اللغز هو السؤال عن سبب مساعدة روسيا للولايات المتحدة في جهودها لإنشاء دولة كردية داخل دولة هي الحليف الوحيد لها. رغم أن روسيا لا يمكن لها أن تصدق الكذبة القائلة بأن أعضاء بي كي كي/واي بي جي يقاتلون إرهابيي داعش. والولايات المتحدة تحتل حقول النفط والمصافي السورية وتتبرع بها لتنظيم بي واي جي. ونظام الأسد يشتري البنزين منهم. وكل هذا يحدث مباشرة تحت أنظار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل غير منطقي ولا يتناسب مع التدفق الطبيعي للأحداث. وإذا كان سبب تسليح الولايات المتحدة لـ بي كي كي/واي بي جي والرضوخ الروسي لها هو وجود داعش، فيمكن لتركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة وتحت مراقبة الجيش الروسي أن تضع حداً لذلك.

وختاماً، من المؤكد أن أفضل أمل للسلام والمصالحة في سوريا هو خروج القوات الأمريكية من البلاد وسيطرة الحكومة السورية بالكامل على جميع أراضيها. وبهذه الطريقة فقط، سيتم ضمان السلامة الإقليمية الكاملة لسوريا.

ولكن الذي أجهله هو أي جزء من هذا البيان البسيط لا يفهمونه؟