أحمد كامل البحيري يكتب:

هل قُتِل زعيم داعش حقاً؟

للمرة الأولى منذ إعلان تنظيم داعش عن ما يسمى "دولة الخلافة الداعشية" عام 2014، يعلن التنظيم، منفرداً، عن مقتل زعيمه المكني أبو الحسن القرشي واختيار أبو الحسين الحسيني القرشي خلفاً له، حيث قال المتحدث باسم داعش أبو عمر المهاجر، في كلمة صوتية مدتها 9 دقائق و45 ثانية، في 30 نوفمبر الفائت (2022)، أن "زعيم التنظيم قُتِل"، دون أن يشير إلى مكان أو توقيت مقتله.

هذا الإعلان المفاجئ وغير المتوقع من قبل داعش أثار العديد من التساؤلات حول دوافع إعلان التنظيم خبر مقتل زعيمه، في وقت لم تعلن الولايات المتحدة الأمريكية أو التحالف الدولي لمكافحة داعش عن ذلك كما هو المعتاد، حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي في هذا الصدد: "نرحب بإعلان أن زعيماً آخر لداعش لم يعد يمشي على وجه الأرض".

هذا التصريح المختصر تبعه تصريح آخر للقيادة المركزية الأمريكية أعلنت فيه أن "مقتل أبو الحسن الهاشمي القرشي هو ضربة أخرى لداعش". وقد رفضت المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية كارين جان-بيار التعليق على ما إذا كانت القوات الأمريكية لعبت دوراً في قتل زعيم داعش، وصرحت بشكل مقتضب: "يسعدنا أن نرى التخلص من قادة داعش بشكل متعاقب".

هذه التصريحات المتعاقبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تحمل في طياتها الكثير من علامات الاستفهام أكثر من الإجابة التي يمكن أن تؤكد مقتل أبو الحسن القرشي، وهو ما يثير بدوره تساؤلاً رئيسياً مفاده: هل حقاً قُتِل زعيم داعش؟

الغموض المتعمد

منذ مقتل مؤسس تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019، اتبع التنظيم تكتيك إخفاء شخصية الزعيم الحقيقية، وهو ما تم مع أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الذي قتل في فبراير 2022، والأمر نفسه مع القرشيين أبو الحسن الهاشمي القرشي- الذي أعلن التنظيم مقتله في 30 نوفمبر الماضي- وأبو الحسن الحسيني القرشي، الاسم الجديد الذي أعلن عنه التنظيم.

وعلى الرغم من نجاح بعض الدول في تحديد شخصية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي واسمه الحقيقي محمد سعيد عبد الرحمن المولى، والذي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن مقتله على يد القوات الأمريكية في عملية نوعية في فبراير من العام الجاري، إلا أن هناك حالة من الغموض الشديد تحيط باسم أبو الحسن القرشي، والذي تراوحت التكهنات بشأنه حول العديد من الشخصيات المتبقية من الرعيل الأول المؤسس لتنظيم داعش، أو ما يطلق عليهم "تلاميذ الزرقاوي".

وقد انحصرت الأسماء في خمسة أبرزهم: جمعة عوض البدري- شقيق زعيم داعش أبو بكر البغدادي- وبشار خطاب غزال الصميدعي- المكنى (أبو زيد) أو (الأستاذ زيد)- بالإضافة إلى ثلاثة أسماء أخرى أقل في التراتبية.

هذه الحالة من الالتباس في تحديد شخصية زعيم داعش "أبو الحسن القرشي"، دفعت العديد من الجهات المحلية بدول الإقليم للحديث عن دورها في قتل زعيم داعش "أبو الحسن القرشي"، وهو ما حدث من قبل النظام السوري وما يسمى الجيش الحر- إحدى الفصائل المسلحة في سوريا- حيث أعلن الأخير عن قيامه بقتل زعيم داعش أثناء إحدى المواجهات بمدينة جاسم بمحافظة درعا جنوب سوريا، في 15 أكتوبر الماضي، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) جو بوتشينو في بيان قال فيه: "لقد نفذها الجيش السوري الحر بمحافظة درعا جنوب سوريا".

هذا الإعلان قوبل بالرفض من قبل النظام السوري الذي أكد قيامه بقتل زعيم داعش، حيث أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، في 2 ديسمبر الجاري، أن زعيم تنظيم داعش المدعو أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي أعلن التنظيم مقتله منذ أيام قُتِل خلال العملية الأمنية التي نفذها الجيش العربي السوري بمساندة المجموعات المحلية والأهلية ضد تنظيم داعش في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي في 15 أكتوبر الماضي.

وبعيداً عن مَن قتل زعيم داعش، فإن الطرفين اتفقا على تحديد شخصية أبو الحسن القرشي الهاشمي زعيم داعش المقتول، حيث أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، في 2 ديسمبر الجاري، أن زعيم تنظيم داعش المدعو أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي أعلن التنظيم مقتله منذ أيام هو ذاته المدعو عبد الرحمن العراقي والمعروف باسم "سيف بغداد".

وفي السياق نفسه، أعلنت تركيا القبض على ما قالت أنه زعيم داعش، في 26 مايو الماضي، وهو بشار خطاب غزال الصميدعي، المكنى (أبو زيد) أو (الأستاذ زيد). فهل هو أبو عبد الرحمن العراقي "سيف بغداد" (نور كريم عساف المطني الراوي) الذي قُتِل في درعا جنوب سوريا؟، أم بشار خطاب غزال الصميدعي المكنى (أبو زيد) أو (الأستاذ زيد)، الذي قبضت عليه تركيا في مايو الماضي؟، أم أنه جمعة عواد البدري؟، أو أنه مازال على قيد الحياة؟، أم قُتِل بناءً على إعلان داعش في 30 نوفمبر الفائت؟.

سوريا والكشف عن شخصية زعيم داعش

نقلت وكالة "سانا" عن مصدر أمني في درعا قوله: "إن أبو الحسن القرشي المكني "سيف بغداد" هو عراقي الجنسية تزعم عمليات التنظيم والإشراف على مد نفوذه باتجاه الأراضي الأردنية والعراقية والسورية، وهو المسئول الأول عن مخطط عمليات الاغتيال التي كانت تدار في المنطقة الشمالية من محافظة درعا، عبر شبكة يقوم عملها على مبدأ "الفتوى" ضمن ما يشبه "محكمة قصاص" تم إنشاؤها في إحدى مزارع مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي".

وأوضح المصدر أن القرشي كان يدير عمليات الاغتيال من خلال مجموعة قياديين في التنظيم، حيث تمكنت القوى الأمنية بمساندة المجموعات المحلية الرديفة من القضاء على عدد منهم في وقت سابق، ومن بينهم المدعو أبو سالم العراقي، الذي قُتِل بعد فراره من مدينة طفس وملاحقته من قبل عناصر القوى الأمنية الذين اشتبكوا معه قبل أن يفجر نفسه.

وعلى الرغم من الإعلان السوري عن شخصية زعيم داعش بكونه هو أبو عبد الرحمن العراقي، إلا أنه بتتبع هيكلية تنظيم داعش، نجد أن أبو عبد الرحمن العراقي مسئول "قاطع الجنوب" داخل ما تسمى "ولاية الشام" طبقاً للتقسيم الهيكلي والتنظيمي لداعش، أي أنه يعادل مسئول إحدى المدن وليس مسئول دولة جغرافية، فمع تتبع هيكلية التنظيم الأخيرة والتي تم إقرارها أثناء ولاية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، والتي تم فيها دمج ما يسمى "الولايات" المحلية تحت اسم الدولة، تم تشكيل "قاطع"- وهو مصطلح داعشي يدل على اسم المدينة أو الحي- برئاسة أبو عبد الرحمن العراقي "سيف بغداد" والذي تولى مسئولية "القاطع" بعد مقتل قائد القاطع في منتصف أغسطس 2022، حيث تم تشكيل قيادة ما يسمى "قاطع الجنوب"، والتي تضم طبقاً لهيكلية تنظيم داعش في محافظات جنوب سوريات (درعا – السويداء)، مسئول القاطع أبو عبد الرحمن العراقي بالإضافة للمسئولين في القسم العسكري واللوجيستي والتدريب وهم أبو مجاهد برقا، وأيهم الفيصل، وأبو سالم العراقي أو كما يُعرف بين مسلحي التنظيم بـ"أبو سالم الجبوري"، وأبو هاشم الجعثوني الملقب بـ"أبو خالد الخابوري"، ومحمد إياد عبد الرزاق الملقب بـ"أبو قاسم العقرباوي".

وكان أبو عبد الرحمن العراقي يعتبر المسئول الأول عن مخطط عمليات الاغتيال التي تُدار في المنطقة الشمالية من محافظة درعا، ومن ثم فإن إعلان النظام السوري أن أبو عبد الرحمن العراقي "سيف بغداد" هو زعيم داعش أبو الحسن القرشي ليس صحيحاً لكونه أحد قيادات تنظيم داعش بالداخل السوري.

مَن هو أبو الحسن القرشي؟

محاولة الإجابة عن: هل حقاً قُتِل زعيم داعش؟، ترتبط بشكل وثيق بالاسم الحقيقي وشخصية أبو الحسن القرشي. وعلى الرغم من استمرار حالة الغموض، إلا أن الأقرب لشخصية زعيم داعش هو جمعة عوض البدري شقيق زعيم داعش الأسبق أبو بكر البغدادي، وبشار خطاب غزال الصميدعي، المكنى (أبو زيد) أو (الأستاذ زيد).

وبرز اسم الأخير مع إعلان تركيا، في مايو الماضي، القبض عليه، ويطلق على بشار خطاب غزال الصميدعي ألقاب مثل "أبو زيد"، و"أبو خطاب العراقي"، و"أبو المعز العراقي"، والذي رجحت بعض التقارير والمصادر التركية كونه زعيم داعش أبو الحسن القرشي.

وبعد أربعة أشهر، وفي 9 سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلقاء القبض على بشار خطاب غزال الصميدعي، وهو من أصل عراقي، قائلاً إنه "يعد من أبرز القياديين المهمين ضمن صفوف داعش الإرهابي عقب مقتل زعيم التنظيم الأسبق أبو بكر البغدادي وخلفه أمير محمد عبد الرحمن المولى الصلبي، المعرف باسم عبد الله قرداش وأبو إبراهيم القرشي في عمليتين أمريكيتين في شمال سوريا".

ويزداد الالتباس مرة أخرى مع طرح سؤال مفاده: هل الصميدعي زعيم داعش أم أحد قيادات داعش؟. ويعتبر الصميدعي أحد المقربين من زعيم داعش الأسبق أبو بكر البغدادي وقاضي التنظيم المسئول عن قطاع التربية والعدل داخل التنظيم، وعضو الهيئة العليا المعروفة باسم "اللجنة المفوضة" منذ عام 2016، والرجل الثاني في التنظيم بعد مقتل البغدادي، حيث كان مسئول التنظيم والفتوى في داعش مع أبو إبراهيم الهاشمي القرشي الذي قُتِل في فبراير الماضي، وجاء اسم بشار الصميدعي كمرشح لمنصب زعيم داعش ضمن التقرير الثلاثين لمجلس الأمن الصادر في 11 يوليو الماضي، وهو ما جعله أقرب الأسماء لتولي زعامة التنظيم.

إعلان وفاة الكُنية وليس الشخص

هذه المعطيات تطرح فرضيتين رئيسيتين: الفرضية الأولى، هى القبض على الصميدعي من قبل أجهزة الأمن التركية باعتباره زعيم داعش، ولكن يستمر التساؤل الرئيسي: لماذا أعلن تنظيم داعش مقتل زعيمه؟.

تكمن الإجابة على الفرضية السابقة في ترجيح اتباع داعش تكتيكاً جديداً، في أعقاب القبض على زعيمه بشكل قد يساعده على تحقيق العديد من الأهداف التي تتمثل في:

1- عدم تأكيد أن الصميدعي هو زعيم التنظيم، على نحو لا يشكل تهديداً على بنية التنظيم كون زعيم التنظيم مقبوض عليه.

2- إضفاء صفة الجهاد على زعماء التنظيم، باعتبار أنهم قُتِلوا في معارك، ولم يحرصوا على الاختباء أو إدارة المعارك عن بُعد.

3- تقليص حدة الاضطراب الذي حدث داخل التنظيم في أعقاب القبض على الصميدعي.

4- إعطاء دفعة جديدة للتنظيم عبر إعلان ما يسمى "البيعة" من قبل أفرعه المختلفة، بما يشكل نوعاً من الاستعراض أمام دول العالم وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى.

الفرضية الثانية، هى أن جمعة عواد البدري شقيق أبو بكر البغداي هو زعيم التنظيم ولكن يستمر التساؤل: هل قُتِل أم مازال حياً؟

هنا، لا يمكن استبعاد أنه مازال على قيد الحياة، ومن ثم فإن إعلان التنظيم مقتل زعيمه لا يعني بالضرورة أنه يقصد مقتل جمعة عواد البدري، لكون مَن تم الإعلان عن مقتله هو أبو الحسن القرشي، بما يعني موت "الكُنية"، واختيار كُنية جديدة، خصوصاً أن زعماء التنظيم لديهم أكثر من كُنية. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر مفاده: لماذا يلجأ التنظيم لإعلان مقتل أبو الحسن القرشي، أو بمعنى أدق، وبناءً على هذه الفرضية، مقتل "الكُنية"؟.

يمكن الإجابة على ذلك بأن القبض على بشار الصميدعي-الذي يحتمل أن يكون قد قام بالكشف عن حقيقة وشخصية زعيم التنظيم والكثير من التفاصيل التنظيمية- هو الذي دفع تنظيم داعش إلى إعلان مقتل أبو الحسن القرشي، ليغلق الباب أمام الكثير من الاعترافات والمعلومات التي أدلى بها بشار الصميدعي لأجهزة الأمن التركية، ما يشكل حماية لشخصية زعيم داعش، الذي ربما يكون جمعة عواد البدري، وهو الأمر نفسه الذي يمكن أن ينطبق على أى اسم آخر يتولى زعامة داعش.

في المجمل، ليس هناك أى أدلة جدية تؤكد مقتل زعيم داعش أبو الحسن القرشي، سواء من قبل تنظيم داعش أو من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بمواجهته، وهو ما يرجح احتمال بقاء زعيم التنظيم مع تغيير "الكُنية" كنوع من التكتيك الجديد لتفادي العديد من الإشكاليات التي تصاعدت عقب القبض على بشار خطاب غزال الصميدعي من قبل أجهزة الأمن التركية في مايو الماضي. ولكن هذا لا يمنع باقي الاحتمالات الأخرى، ومنها مقتل زعيم داعش، وإن كانت احتمالات ذلك ما زالت ضعيفة بناءً على المعطيات السابقة.