محمد خلفان يكتب:
إيران.. تورم "الأنا" السياسية
رغم مضي ثلاثة أشهر على اندلاع الاحتجاجات الإيرانية التي فجرها مقتل مهسا أميني وليس السبب الحقيقي لها، نجد أن النظام الإيراني ما يزال مستمراً في اتّباع سياسة عزل نفسه واتّباع سياسة الفصل عن شعبه أولاً وعن المجتمع الدولي بأكمله، وفق منطق وحيد استمر هذا النظام في اتّباعه على مدى أكثر من أربعة عقود وهو: الغرور بالنفس الذي يؤدي بصاحبه، فردا كان أو دولة، إلى الانهيار، لأن الدول مثل البشر تنمو وتشيخ.
الغرور السياسي آفة تصيب أنظمة سياسية وقد ابتلي النظام الإيراني بهذا المرض، لا تكاد تسمع خطابا سياسيا أو تصريحات لمسؤول إيراني، سواء موجهة إلى الخارج أو حتى إلى الشعب، إلا وتجد هذا الخطاب يتسم بالفوقية و”الأنا” المزعجة، خاصة في زمن يقاس به عمل الحكومات بما تحققه من إنجازات لشعوبها وليس بالاعتماد على الشعارات.
ورغم تنوع الحكومات بين الإصلاحيين والمحافظين ظلت “الأنا” مستمرة وإن خفّت في فترات معينة نتيجة لحالة الضغوط السياسية الدولية وانشغالات الداخل، ولكن المضمون النفسي بقي كامناً في انتظار لحظة “الانخداع” التي يعيشها النظام أن باستطاعته الاستغناء عن الكل، الشعب الإيراني وكذلك المجتمع الدولي.
أغلب التخمينات وفق فهم عقلية النظام الإيراني الملالي التي لا تعترف بقدرات الشعب الإيراني الذي وقف معه في ثورة 1979، ولا تعترف بنصائح دول العالم بما فيها الجوار الجغرافي، ومحاولة مساعدته على الخروج من “المآزق” السياسية التي يضع نفسه فيها انطلاقاً من “الأنا السياسية”، وقناعته بأنه يمتلك المساحة الجغرافية وامتداداتها مع العديد من الدول، أو قناعته التاريخية الممتدة إلى ما قبل الإسلام (الإمبراطورية الفارسية)، وبالتالي يجد في النصيحة المقدمة له تقليصا من مكانته التاريخية والحضارية.
أخطر مراحل تضخم الغرور السياسي عندما يكون مشروعك الذي تسعى له لم يكتمل بعد، هو جرثومة تجعلك تتخبط. البرنامج النووي ما يزال محل جدل، حتى وإن قارب مراحله النهائية
موقف النظام الإيراني اليوم موزع بين مطالب شعبية ناتجة عن وعود قدمها هذا النظام أثناء الثورة ضد نظام الشاه، وبين الضغوط الخارجية التي كانت تدعمه من أجل إصلاحه أو تعديل مساراته التي لا تخاطب الزمن الحالي، وبالتالي فهو اليوم يجد نفسه في مأزق حقيقي نتيجة لتورّم “الأنا السياسية”.
لن نستعجل نتائج التحول الجديد، هناك تجارب سابقة استطاع أن يفلت منها، فنحن نتحدث عن نظام تعتمد شرعيته على عقيدة دينية وباستطاعته أن ينجح في التغلب على الاحتجاجات، فالناس لا زالت تقدس الدين وتحترم الرموز. كما أنه علينا أن ننتظر كي تتضح مسارات الأحداث على الأرض، لأن تعقيدات النظام وتشابكاته تجعلنا نستبعد فكرة سقوطه خلال فترة قصيرة، لكن علينا أن نراقب حيوية الشعب الإيراني الذي رفض أن يخدع باسم الدين، وبمشروعات وهمية تغلف الطموحات السياسية للنظام بغلاف ديني.
إيران دولة عميقة تاريخياً وصاحبة حضارة إنسانية ممتدة، لكن آفة سياسييها الغرور والتكبر، خاصة عندما تستشعر التفوق في لحظة قد تكون عابرة. وأعتقد أن سعيها للحصول على البرنامج النووي ليس بهدف تحسين المستوى المعيشي للشعب الإيراني الذي يستحق حياة أفضل، وإنما الهدف هو “تضخيم الأنا” لتتناسب مع الفكر القائم على النرجسية، حتى لوكانت هناك معاناة ومشاكل وأزمات تنخر المجتمع.
أفضل مثال يذكرنا بحالة النظام الإيراني هو الاتحاد السوفياتي، الإمبراطورية التي كان قادتها يزعجون العالم بصراخهم حول القدرات التي يمتلكونها لتفجير العالم، ولكن في لحظة ما صدم العالم بانهيار الاتحاد السوفياتي بالكامل. يكفي هذا المثال للعبرة والاستفادة من الدرس.
في أغلب الأحيان ترتبط عظمة الدول وحضورها العالمي بأفعال قادتها وسلوكيات شعبها، ومن خلال دروس التاريخ مرت علينا قصص لدول تراجعت مكانتها بفعل “العنطزة” و”الفشخرة” المعتمدة على تجاهل أدوار الدول الأخرى في تشكيل منظومة متكاملة، فالدول لم يعد بإمكانها عزل نفسها عن الآخرين؛ الشراكات هي اللغة السياسية المعتمدة حالياً. وتكبر الدول بما تقدمه للإنسانية من خدمات وما تصنعه من قصص تعايش مشترك.
أخطر مراحل تضخم الغرور السياسي عندما يكون مشروعك الذي تسعى له لم يكتمل بعد، هو جرثومة تجعلك تتخبط. البرنامج النووي ما يزال محل جدل، حتى وإن قارب مراحله النهائية، لازال يحتاج إلى حالة الاستقرار المجتمعي الداخلي والخارجي.